البدايات دائماً ما تكون منسوجة ب»خيوط الأمل»، والمستقبل بكل ملامحه يظل مجرد حلم حبيس أجفاننا، وإن حاول الخروج من قيودها، يتمدد بثقة فوق الأراضي الشاسعة المملوكة لأحلامنا، والذي قد يتجاوز حدود الزمان والمكان الذي نعيش فيه، على الرغم من أنه مجرد حلم، ولكن له الحق في أن يتمدد في كل الاتجاهات الجغرافية، طولاً وعرضاً، ليكبر ويصبح مدينة للأحلام، نتسكع بفرح بين أزقتها، وبشقاوة الأطفال «نُشخبط» فوق جدرانها، وعندما تهطل ثلوج الشتاء نحاول أن نجمع «حبّاتها» الصغيرة بأيدينا، ونتذوق طعم الحياة فيها، نضحك ونضحك ونملأ الكون بصدى الضحكات؛ لأن الثلج لم يبلل أوراقنا التي سطرنا فيها ملامح مستقبلنا، والدفء جعلنا نقترب أكثر من دفء أحلام المستقبل. إن محاولة رسم مستقبلنا في الحياة تشبه محاولات طفل صغير يحاول الحبو فوق سطح «الرخام»، يسقط على الأرض رغم تشبثه بتوازنه الخفيف، ثم يحاول الوقوف مرة أخرى للحظات، متناسياً تلك السقطة الطفولية، ثم يعاود المحاولة رغم الفشل الذي يصادفه في كل مرة، فهو يستند على تلك البداية في حياته «نقطة الصفر»، والتي في الحقيقة نعيشها نحن الكبار في حياتنا وحياة شبابنا، عندما يقررون أحياناً أن تكون بدايتهم العملية بعيدة عن هذه النقطة، وهنا يبرز السؤال: لماذا يرفض بعض الشباب أن يبدأ حياته العملية من نقطة الصفر؟. وتبقى تجارب التجار الناجحين «نبراسا» للجيل الحالي، حيث بدأوا من لا شيء، وبعضهم كان يمارس المهن البسيطة، واستطاع بالصبر والعزيمة وتطوير الذات من تحقيق الحلم، أما الآن فهناك ما يسمى ب»العقدة» لدى أفراد هذا الجيل، فالكل يريد أن يمتلك الملايين، وأن يبدأ بمشروعات كبيرة، كما أن العصر الحالي المتسم بالسرعة أثر في الشباب، من خلال استعجالهم النتائج، رغبةً منهم في الوصول إلى القمة بأقصر الطُرق. «الرياض» تطرح الموضوع، وتناقشه مع المختصين، فكان هذا التحقيق. إنسان حرفي في البداية قال الإقتصادي «فضل البوعينين»: بالنسبة للمشروعات الخاصة، فيجب أن يبدأ الراغب في دخول هذا المجال من الصفر، مرجعاً ذلك الى أن الحياة لم تعد كما كانت، نظراً لأن التكاليف أصبحت مرتفعة، مضيفاً أن تعقيدات المجتمع والسوق تؤثر سلباً على مستقبل شبابنا؛ نظراً لأنها شملت الأنظمة وجوانب أخرى مختلفة، فالسوق تحول اعتمادها من المهن المنتجة التي تبدأ من الصفر، والتي تعنى ب»الإنسان الحرفي» الذي يعد رأس ماله الحقيقي مهارته، إلى المشروعات المعتمدة على رأس المال والأفكار الخلاقة، وهذا طبيعي أن يحد من إقبال الشباب على المشروعات التي تبدأ من الصفر، ذاكراً أن تدني مستوى المغامرة والإقدام الجريء في مشروعات «البيزنس»، بحاجة الى جرأة وإقدام من الشاب نفسه، وفي الوقت الحالي بتنا نفتقد هذا الأمر، مبيناً أن عدم دخولهم سيدفعهم الى خارج نطاق البدايات الجيدة من الصفر، موضحاً أن القيم الثقافية لم تعد تسمح للشباب بتبني أفكار يمكن تنفيذها في المجتمع ك»الضغوط الإجتماعية»، نظراً لتنوع الثقافات، ففي السابق كان الحرفي الذي يريد بدء المشروع يمكنه فعل ذلك في قريته أو مدينته، ولكن أصبحت القيم في الوقت الحالي كثيرة وخداعة وصعبة، خاصةً الحرفية. شاب قرّر أن يبدأ من الصفر بالعمل في إحدى الورش الصناعية مبالغ بسيطة وأوضح «البوعينين» أن العصر الحالي المتسم بالسرعة أثّر في الشباب الذين لم يعد باستطاعتهم الصبر ليقطف ثماره، فهو دائماً يعتقد أنها يجب أن تأتي بسرعة، بل وأصبحت السرعة ثقافتهم في جميع الأشياء، مع العلم أنهم بحاجة إلى الصبر، حيث إن جميع «الماركات العالمية» مرت بهذه المراحل، لافتاً إلى أن الشباب أصبحوا يستيهنون بالمبالغ البسيطة لدخل المشروع، مع العلم أن هذه المبالغ هي من يُشكل الثروات، فهم يرون أن الدخل البسيط للمشروع لا يمثل شيئاً بالنسبة لهم، وهذه حقيقة، لكن عندما تتجمع هذه المداخل ستُشكل رأس مال قوي، بل واستثمار كبير، فتتكون ثروة حقيقية على المدى البعيد، مضيفاً أن مستوى الطموح لدى الشباب تلاشى في الوقت الحالي، ليتبدل من مواجهة السوق إلى البحث عن وظيفة، مبيناً أنه فيما يعرف بالأفكار الجريئة للمشروعات، فقد قلّت، والمنافسة انحصرت في الاستيراد وتوفر المنتجات، لتؤثر على الشباب في عدم قدرتهم على تحقيق ذاتهم. انعكاسات سلبية وأرجع «أحمد القاضي» -رئيس مركز ضي للإستشارات الأسرية- السبب في ذلك إلى أن شباب اليوم تنقصهم التجارب، مؤكداً على أن طبيعة الإنسان تميل إلى القفز من أجل إثبات نفسه أنه سيكون في المستقبل شابا مرموقا له معجبين، لذلك لا يحب أن يبدأ من الصفر؛ نظراً لأن ثقته في نفسه أكثر من اللازم، مبيناً أن القفز الذي يمارسه الشباب من الأمور الطبيعة، ذاكراً أن العمل والتجارب التي سيتلقاها في حياته قد لا يتأقلم معها، وعندها قد يعود إلى الصفر مرة أخرى، ذاكراً أن التنشئة منذ الصغر في حياة الشاب، والتي تغرس فيه أنه شاب ذكي ورجل غير عادي، تجعله يرفض البداية من الصفر، مؤكداً على أن لتلك الثقة الزائدة انعكاسات سلبية، موضحاً أن البعض الآخر من الشباب يتسلق ويستمر ويستوعب ويهضم هذه الخبرات في فترة بسيطة ويثبت وجوده. شبان خلال التقدم على الوظائف المعلنة تراكم علمي ووصف «د.صالح الدبل» -عميد كلية إدارة الأعمال بحوطة بني تميم- عدم بداية الشباب من الصفر بالميزة، وخصوصاً إذا كانوا يبحثون عن البدائل والنماذج المتوفرة وينطلقون منها لتحقيق طموحاتهم، متأسفاً على أن بعض الشباب في الغالب يبدؤون من الصفر دون الإفادة من خبرات الآخرين؛ لأنهم في الغالب لا يحبون القراءة والإطلاع، ليبحثوا عن وظيفة جاهزة ومفصلة مع أحلامهم، وهذا الذي يميز الكثير من بلاد الغرب عنّا، حيث يعتمدون مع ما توفر لهم من تراكم علمي ومعرفي وخبرات في كل المجالات، مبيناً أن تجارب التجار الناجحين نبراس لحياة أجيالنا من الشباب، وتسطر بماء من ذهب، والإعلام استطاع تسليط الضوء على نجاحاتهم لأنهم بدأوا من لا شيء، وبعضهم كان يمارس المهن البسيطة، واستطاعوا بالصبر والعزيمة وتطوير ذاتهم من تحقيق كل شيء، أما الآن فهناك ما يسمى ب»العقدة» لدى الجيل الحالي، فالكل يريد أن يمتلك الملايين، وأن يبدأ بمشروعات كبيرة، وبعضهم انحاز عن الطريق السوي، ودخل في مجال ما يسمى الخداع والابتزاز، وحاول أن يتقمص دور الوسيط، ويتكلم مع الناس بلغة الملايين، في الوقت الذي قد لا يستطيع أن يجد قوت يومه!. تعميم تجارب التجار الناجحين «نبراس» للجيل الحالي ب«العزيمة» و«الصبر» و«تطوير الذات» تجارب الآخرين وذكر «د.الدبل» أنه لو أردنا البحث عن الأسباب التي تدفع بالشباب لأن يبدأوا كباراً؛ فإن ذلك يعود إلى الخلل الذي يعيشونه، بالنظر إلى من حولهم من التجار الأثرياء، وتوقع أن يكونوا مثلهم في ليلة وضحاها، مطالباً بضرورة توجيهم من المربين الذين يجب عليهم مساعدتهم للإمساك بالخيط الذي يصل بهم إلى لأعلى، ناصحاً بالإطلاع على تجارب الآخرين، وعدم محاولة رفع الرأس إلى أعلى، خاصةً من تكون إمكاناته متواضعة، مشدداً على أهمية أن يبدأ حسب المتاح خطوة خطوة، ولا يجب أن يبالغ بالتوقعات، فيصاب بخيبة أمل وينهار ويسقط، مع استغلال أوقاتهم وجهدهم وفكرهم في مشروع متواضع حتى ينمو تدريجياً إلى الأفضل.