فيما عشت ورأيت وسافرت لم أر إسرافاً كإسرافنا ولا هدراً لثروتنا الناضبة كهدرنا.. العالم المتقدم ينتج ويستهلك ويرتبط ازدهار هذا بذاك.. أما نحن فإنتاجنا قليل ضئيل واستهلاكنا عريض طويل، نطبخ ضعف ما نحتاج ونطلب من المطاعم أيضاً.. ندفع أغلى الأثمان لإصلاح سياراتنا ومنازلنا وأجهزتنا لعمالة يتدربون فينا كما يتدرب الحلاق المبتدئ في رؤوس اليتامى. زواجاتنا تكلف ثروات طائلة إذا حسبنا ما تشتريه كل سيدة وترتديه ليلة واحدة، وأسفارنا بأغلى الأثمان وأكثرها بلا ترتيب ولا برنامج ولا تدقيق نصرف ونسرف بلا عائد ملموس أو محسوس يشعرنا بالسعادة.. صار الاسراف عند أكثرنا طبيعة وعادة.. نشرب من البحر ونهدر الماء المحلى المكلف كأننا على أنهار جارية ونحن في صحراء خاوية لا يعيش فيها الا الضب والزواحف الصبورة والحرباء لشدة قسوتها وفقرها.. والنفط الذي فاض علينا ثروة ناضبة نستنزفها بقسوة كأننا قوم على بئر ماء يزعبون منه ويريقونه حتى ينفد ولا يبقى غير السراب.. اعتدنا الكسل والخمول والاعتماد على الاخوة الوافدين في المصانع والمزارع والمصارف والمنازل وكل مناشط الحياة التي تحتاج حركة وقوة ونشاطاً.. وهذه مصيبة خطيرة العواقب تنشر البطالة السافرة والمقنعة، وتعوّد على التواكل والكسل والخمول والخمود والبحث عن الكسب السهل السريع والبعد عن العمل الجاد الصبور الذي يبني النفوس والأوطان والاقتصاد وتتوارثه الأجيال عن الأجيال.. إننا في حاجة ماسة إلى خطة شاملة تُحل المواطنين محل أكثر الاخوة الوافدين في الأعمال المربحة الجادة في الشركات المساهمة وغير المساهمة، في المتاجر والمصانع والخدمات والبناء والتشييد مع نبذ الهدر والاسراف والتواكل والخمول والاتجاه إلى الإنتاج الحقيقي والادخار بدل الاستهلاك المحموم والاقتراض والاسراف وبدون ذلك فإن العواقب وخيمة لا سمح الله.