يقول أحد الأدباء: أحبب صديقك حبا ما عسى أن يكون عدوك يوما ما وأبغض عدوك بغضا ما عسى أن يكون صديقك يوما ما الصداقة والصديق من الموضوعات التي صال الأدباء وجالوا فيها إلى درجة يصعب على الإنسان تتبع ما قالوا ولكنني أعتقد جازماً أن كل واحد منا مر بتجارب عديدة مع أصدقاء عرفهم واعتز بمعرفتهم إلى درجة كبيرة بل إن البعض اعتبر الدنيا باسرها ليس فيها خير إذا لم يكن بها صديق، حيث قال: ولا خير في الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق صادق الوعد منصفا وحيث إن مفهوم الصداقة مفهوم متشعب فقد عزا البعض إلى أن الصديق يمكن أن يطلق على كتاب، حيث قيل: وخير صديق في الزمان كتاب. ففي هذا الزمان اعتبر الصديق هو الكتاب وذلك لما يعانيه الأصدقاء بعضهم من بعض من نكران للجميل ولهذا نجد البعض يستغرب أنه اتخذ فلانا صديقاً ولعل الشاعر غازي القصيبي أوضح ذلك في إحدى قصائده عندما قال في شطر بيت له «عجباً كيف اتخذناك صديقاً..» وقد اتهم الصديق الذي ينكر الصداقة بأنه «صهيوني». كما قال أحد الشعراء الشعبيين في المملكة العربية السعودية في إحدى قصائده عندما قال «من بذ صهيون بذتنا صهاينا». انقلب الصديق إلى أشرس من العدو الصهيوني الذي طغى في أرض فلسطين وقتل الأبناء والشيوخ والنساء والأطفال. والصديق كما يقال الذي لا ينفع مثل العدو الذي لا يضر إن الصديق عندما ينقلب يكون على صديقه وبالا لأنه يعرف موطن الضعف والقوة عنده فالبعض قد يستغل ذلك. والحياة مليئة بهذا النوع من البشر وهو دليل على ضعف في البنية التكوينية المخية لهذا الإنسان فهو بلا شك مريض والمصيبة أنه لا يعرف أنه مريض وبناء على ذلك فقد نصح البعض من الخوف من الصديق أكثر من الخوف من العدو فقال بعضهم: خف من صديقك ألف مرة وخف من عدوك مرة كما في البيت: احذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة فربما انقلب الصديق وكان أدرى بالمضرة وقيل في الأثر: اتق شر من أحسنت إليه هذه المخاوف التي يرددها المجربون ارتسمت على أرض الواقع في أكثر من مناسبة خاصة في هذه الأيام التي اختلطت الأوراق عند البعض فأصبح لا يعرف معنى للصداقة الحقة التي هي من أوثق العرى والتي قيل عنها أنها تأتي في وقت الضيق فالصديق كما يقال وقت الضيق ولكن ذلك أصبح في الأدبيات أكثر منه في الواقعيات للاسف. خلال تواجدي في الولاياتالمتحدةالأمريكية عملت استطلاعاً بسيطاً لعدد من الطلاب السعوديين وكذلك الأمريكيين للوقوف على مدى صحة ما ذكرت وقد خرجت من هذا الاستطلاع أن الأكثرية الساحقة من المستطلعين يؤكدون صحة ما ذهبت إليه وقد فتحت نقاشاً مع بعض الدارسين لدرجة الدكتوراه من الطلاب السعوديين وكذلك العرب من شتى بقاع الدول العربية وكان حصيلة النقاش أنهم سبق أن خاضوا تجارب من هذا النوع من الأصدقاء بل إن أحدهم قال «شي غريب جداً وليس لدي أي تفسير أو تبرير لمعرفة كيف ينقلب الصديق إلى عدو لدود ولكن ذلك حدث له على حد تعبيره تجارب عديدة ولكن الأغرب كما يروي ويقول لقد وجدت أناساً بنيت معهم صداقات في أمريكا وأصبحوا أصدقاء أكثر من العرب بل أكثر من الزملاء الذين كنت أدرس معهم في إحدى الجامعات العربية حيث إن بعضاً من الأصدقاء في بلدي لم يسألوا عني منذ مدة طويلة. وقد طلب مني إن كان هناك تفسيراً تربوياً لمثل هذه الحالات فقلت إننا معشر المهتمين بالقضايا قد نهتم ونضع العيادات التخصصية لأمراض أقل من أمراض العلاقات الصداقية ولهذا فإننا في أمس الحاجة إلى وجود عيادات نفسية وتربوية تفي بهذا الجانب ولا بد من دراسة هذه الظاهرة دراسة علمية لمعرفة الأسباب الكامنة خلف انتكاس الصداقة من أجل المحافظة على هذا العهد الوثيق لأن الصداقة لا تباع ولا تشترى وانما هي وثيقة يجب المحافظة عليها حتى وان اختلف الأصدقاء لأن الاختلاف كما يقال لا يفسد للود قضية فهل نحن واعون لمثل هذه الأمور أم أن المسألة «منافع» وإذا انتفت المنفعة انتفت الصداقة في علاقة طردية كما تقول الدراسات الإحصائية.. وتصبح البيوت الصداقية بيوتاً من ورق. ويصطاد الصيادون في المياه العكرة ما لا تحمد عقباه. ٭ عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود