لا يمكن لشخص منصف اليوم أن ينكر بأن جماهير الأهلي هي الأكثر فاعلية، والأشد تأثيراً من بين جميع جماهير الأندية السعودية، وإن لم تكن الأكثر حضوراً في مدرجات الدوري؛ إذ تتجاوزها في ذلك جماهير الهلال، كما لا يمكن تجاوز حقيقة أن الجماهير الأهلاوية كانت السلاح الأقوى تأثيراً في صمود (القلعة الخضراء) طوال مسيرته في الدوري. في المقابل لا يمكن لشخص منطقي أياً كانت ميوله أن ينكر بأن الجماهير الشبابية، والتي كانت على مدار سنوات خلت الحلقة الأضعف في سلسلة جماهير الأندية السعودية هي اليوم عنصر فعال في مسيرة الفريق، وأن حضورها بدا واضحاً، وأعدادها أخذت في التزايد؛ بحيث لم يعد من الإنصاف إدارة الأسطوانة القديمة التي تقول: بأن المدرج الشبابي خاوٍ على عروشه. الحديث عن الجمهور الأهلاوي وإثبات أرقامه وتأثيره يدخل في نطاق الهرطقة والحشو، فالجمهور الأهلاوي أو (المجانين) كما يصفون أنفسهم باتوا فيما يقدمونه من فنون في التشجيع، وإبداع في المؤازرة أبعد عن الحقيقة وأقرب إلى الحلم، وبذلك فلا مناص من وصفهم ب (مدرج الحلم)، وإن أغضبت هذه التسمية بعض الجماهير المنافسة، والتي ظلت ولسنوات ترى نفسها مضرب المثل في التشجيع. فيما يخص جماهير الشباب وحقيقة تناميها، فلن تُحجب شمس الحقيقة بألسنة التزييف، ولن تغطى أشعتها بأصابع التدليس، وذلك حين يقال بأن الآلاف من تلك الجماهير التي تحضر مساندة لنادي الشباب كلها مستأجرة، وأن ثمة من يدفع لها بضع ريالات، ووجبة عشاء لتزحف بكل تلك الأعداد للاستادات الرياضية على طول البلاد وعرضها، ومن يصدق ذلك فهو - في رأيي - من وضع عقله في (فاترينة) البيع والاستئجار. الإحصاءات الرسمية الصادرة عن رابطة دوري المحترفين تؤكد بأن الشباب يحتل المركز التاسع في ترتيب الأندية الأكثر حضوراً جماهيراً؛ إذ يبلغ عدد الحاضرين لمبارياته حتى ما قبل مباراته الأخيرة 78650 مشجعاً، وأن متوسط حضور جماهيره في المباراة الواحدة 3146 مشجعاً، فعلى أرضه يحضر له نحو 2711 مشجعاً، وهو في ذلك أيضاً يحتل المركز التاسع، أما خارج أرضه فيحضر له نحو 3616 مشجعاً، وهو بهذا الرقم يحتل موقعاً متقدماً إذ يحتل المركز الخامس. تلك هي لغة الأرقام، ولا مراء بأن لغة الأرقام لا تكذب؛ لذلك فأي أي عملية إعمال للعقل، وإن بشكل عاصف ستكشف بأن الحديث عن استئجار كل تلك الجماهير؛ إنما هو تزييف وهذر، أو كما ترى جورج إليوت بأن «اللغو سهل، والحقيقة غاية في الصعوبة»، وبعيداً عن الروائية الانجليزية الشهيرة، فإن أي «حسبة بدو» كما يقال ستكشف عن استحالة استئجار كل تلك الجماهير، وإن حدث ذلك - وهو المستحيل - فنحن أمام حالة فريدة تستحق التوثيق، والاحترام، وتسجيلها كبراءة اختراع. إذن نحن أمام نوعين من الجماهير حيث يصدق على جماهير الأهلي لقب (مدرج الحلم) فهي الجماهير صاحبة الامتياز الخاص في (العشق الجنوني)، في حين يصدق على المدرج الشبابي لقب (مدرج الحقيقة) لما يسجله من حضور متنامٍ، وأرقام صادمة، واختطاف لمشجعين من مدرجات أندية منافسة أصبحت تهتز لهذا الواقع، وحيث سيتواجه اليوم مدرجا الحلم والحقيقة، وليس كما يسعى البعض لتسطيحهما بلقبي جماهير (السليق) وجماهير (البروست)، ويبقى السؤال الحاضر الآن: لمن ستكون الغلبة؟!