توارى جثمان الرئيس الجزائري الاسبق أحمد بن بلّة ( 96 سنة) امس في مقبرة " العالية " بالضاحية الشرقية للعاصمة الجزائر حيث ترقد كبريات الشخصيات الوطنية في الجزائر. وألقى الخميس عشرات الجزائريين النظرة الأخيرة على أول رئيس للجزائر المستقلة بعد خروج الاستعمار الفرنسي العام 1962 . حيث عرض جثمان بن بلة ، في بهو " قصر الشعب " العتيق أعالي العاصمة الجزائر فيما أعلن الرئيس بوتفليقة الحداد ثمانية أيام كاملة. ويرحل بن بلة تاركا وراءه جدلا تاريخيا شائكا بشأن عدد من الملفات التاريخية الملغّمة التي يحصيها التاريخ الجزائري المعاصر.وكان بن بلّة قد فجّر إحدى هذه الملفات في لقاء أجرته معه القناة القطرية " الجزيرة " العام 2004 عندما فتح ملف وفاة مهندس مؤتمر الصومام الشهيد عبان رمضان، الذي تتباين الشهادات والروايات التاريخية حول المصير الذي آل إليه هل تمت تصفيته على يد الرفقاء زمن الثورة أم استشهد في ميدان الشرف. كما يرحل ولم يفرج عن مذكراته التي كان صرّح أنه انتهى من كتابتها دون أن يذكر من تولى كتابتها وأنها "خطيرة ". وعاد اسم بن بلّة ليحتل صدر الصحف المحلية قبل شهر فقط ، بعدما أصدر ابن عم الشهيد عبان رمضان ، وهو من القبائل البربر ، كتابه بعنوان " بن بلة ، كافي وبن نبي ضد عبان رمضان.. الأسباب الخفية للحقد'' وهو كتاب لم يمهل القدر بن بلّة للرّد على ما ورد فيه من اتهامات تطال شخصه. ومنذ عودته إلى الأضواء ، على خلفية الاهتمام الذي أولاه إياه الرئيس بوتفليقة وحرص الأخير على أن يكون بن بلة إلى جانبه في الاحتفالات الرسمية التي تقيمها الدولة ، لم يتوقف بن بلة عن دعم الرئيس الجزائري سياسيا والمرافعة من أجل ولاية ثانية وثالثة لبوتفليقة والدعوة إلى تمكين الأخير من إتمام برنامجه التنموي الضخم وعدم " تضييع الجزائر برئيس جديد و برنامج آخر جديد ". وجاء اعتراف الرئيس الجزائري بجميل الراحل باقتراح بن بلّة ليكون واحدا من الأعضاء المؤسسين لمنظمة الوحدة الإفريقية واقتراحه لترأس مجموعة العقلاء للاتحاد الأفريقي التي ظل على رأسها منذ العام 2007 . ولم يغفل الرئيس بوتفليقة في رسالة التعزية التي بعث بها إلى عائلته الصغيرة الأربعاء أن يذكّر للتاريخ ، وقوف بن بلة إلى جانبه في المضي قدما في إقرار المصالحة ومواجهة الرافضين لها ، حيث نقرأ في الرسالة قول بوتفليقة " ان الراحل على الرغم من السنين التي أثقلت كاهله فقد ظل على عهده أمينا مسهما في دعم تدابير وإجراءات الوئام والمصالحة الوطنية وإرساء ثقافة السلم والمحبة والتآخي في وطنه ". وتعّد أصعب فترة في حياة الراحل أحمد بن بلّة تلك التي قضى خلالها أزيد من 15 سنة كاملة في السجن غداة الانقلاب العسكري الذي قاده الرئيس الأسبق هواري بومدين في 19 جوان / يونيو 1965 بدعوى خروج بن بلّة " عن خط الثورة الجزائرية " و " استئثاره بالسلطة ". ويحكي عن هذه الفترة العصيبة مهندس الانقلاب عليه ومنفذه العقيد الطاهر زبيري قائد أركان الجيش الجزائري (1963 / 1967 ) في مذكراته الصادرة العام الماضي حيث يروي الكاتب أن بن بلّة عاش معزولا وتحت الإقامة الجبرية ولم تفلح حتى تدخلات الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر'' في إطلاق سراحه بحكم علاقة الصداقة الكبيرة التي كانت تربط الرجلين . ولم ينعم بن بلة بالحرية إلا بعد العفو السياسي الخاص الذي أصدره الرئيس الشاذلي بن جديد العام 1980 مباشرة بعد وصوله السلطة . ورفض بن بلة المكوث في الجزائر وفضل التوجه إلى باريس ومنها إلى منفاه سويسرا التي بقي فيها إلى غاية العام 1990 تاريخ عودته النهائية إلى بلده ، حيث أسس بن بلّة حزبا سياسيا باسم " الحركة من اجل الديمقراطية.