يتعرض الإنسان في العصر الحاضر إلى أصناف من الحروب والصراعات والتمزقات، والفنان بطبيعته المرهفة هو أكثر من يتأثر ويتفاعل إنسانيا مع الأحداث فيحمل كاميرته وينطلق إلى قلب الأحداث لنقل الحقيقة وإرسال رسائل استغاثة للعالم، فيخرج من تلك الكوارث بلقطات مميزة تكون شاهدا للتاريخ وعليه! نستضيف هذا الأسبوع الفنان الكويتي المصور الفوتوغرافي ماجد السلطان صاحب الإنجازات التطوعية في عدة مجالات. ففي أي مكان تحل فيه كارثة إنسانية تجده لا يتمالك نفسه من الذهاب إلى موقع الأحداث الدامية والمنكوبة متطوعا بعدته الخاصة لتقديم صورة تطوعية مشرفة للعمل الخيري من دون أي دعم مادي! وبسبب تفرغه في العمل التطوعي في "إفريقيا" يغلب على أعماله طابع الحزن والجوع والفقر تتداخل معها ابتسامات الأمل والنجاح والفرح من بين دمار الحرب وبؤس المكان؛ هدفه خدمة الإنسان من خلال نقل واقعه لمن لا يستطيع الوصول إليه. يحكي لنا الفنان ماجد السلطان عن مشاهداته ورحلاته وأغرب لقطاته فيقول: رحلات للمناطق المنكوبة الصورة في الحرب سلاح وغذاء ودواء بدأت مشاركتي في العمل الخيري عام 2009 حين أُختِرت لتوثيق أعمال جمعية العون المباشر في السودان "دارفور" حيث الحروب الأهلية تطحن البلاد ونزوح آلاف الضحايا إلى الأمل الطبي في "جامبيا" يعمل عليه استشاريون كويتيون في 7 تخصصات، وسافرت إلى الصومال في رمضان الماضي لتوثيق "مجاعة القرن الأفريقي" التي راح ضحية الجفاف الآلاف من الخلق والمواشي، وكانت آخر رحلاتي إلى الحدود السورية اللبنانية والأردنية وقريبا التركية لتوثيق حالة النازحين السوريين وتقديم يد العون والمساعدة المادية والمعنوية إلى جانب العديد من الرحلات والمغامرات الأخرى. مصور وطبيب ومقاتل في داخل كل فنان عدة شخصيات يتقمصها بحسب الجو المحيط به ؛ يؤكد السلطان فيقول: من خلال تجاربي في توثيق العمل الخيري أجد في نفسي عدة شخصيات بحسب المكان والمهمة التي علي توثيقها فأشعر بأني طبيب يشارك في علاج البشر حين أمسك بالكاميرا لتوثيق مخيم العيون الطبي وأفرح جدا بتوثيق ذلك الأعمى الذي عاش لأعوام في الظلام قبل وبعد أن يبصر النور، ونقل هذه الصورة للمتبرع الذي ساهم في إعادة البصر لعينيه. وأشعر بشخصية المقاتل حين أنقل مأساة النازحين السوريين وما يعيشون فيه من ظروف قاسية بين الثلوج وانقطاع الكهرباء ونشر هذه الصور في كل مكان مما قد يساهم ولو بشكل بسيط بعملية الضغط وتحريك المشاعر والقرارات لدعم قضيتهم. حكايا إنسانية مؤثرة العيش مع أيتام كينيا واللعب والنوم معهم ساهم في بناء شخصيتي الفنان نسيج مختلط من مشاعر لا يمكن الخروج منها بسهولة بعد انتهاء الحدث؛ يقول السلطان: كثيرا ما أتأثر بأي حدث أقوم بتغطيته فالعيش مع الأيتام في كينيا واللعب معهم والأكل والنوم في نفس المكان، ومشاركة حفاظ القرآن في دارفور الذين يستخدمون الألواح الخشبية في الكتابة من غير أوراق ولا أقلام كالتي نعرف ومع ذلك يحفظون كتاب الله، وتوثيق حياة المجاعة لأناس يمشون لمدة شهر لانعدام المياه التي يسرف بعضنا باستخدامها لأنه لم يجرب فقدها، وعندما يموت الطفل بإفريقيا لأنه لا يملك ثمن إبرة الملاريا بقيمة 30 فلسا كويتيا أو أقل! كل تلك المواقف لها وقعها في نفسي وحياتي العملية للأفضل في بناء شخصيتي وشخصية من حولي ممن يشاهدون الصور. الأطفال وابتسامة السلام من غياهب الحرب والألم تبزغ أشعة السلام يقول السلطان: رغم الخوف والحروب والمجاعة وقلة ذات اليد وفقدان أبسط مقومات الحياة الكريمة وانعدام التعليم أجد ابتسامة الأطفال وبراءتهم تجسد كل السلام وأعبر عنه في أقسى الظروف بصورة لا تخلو من ابتسامة ولو كانت خجولة! وكذلك عند وصول المعونات إلى قلب الحدث، فمثلا عندما دخلنا معسكرات النازحين في دارفور كأول هيئة إغاثة عربية ونحن نرتدي لباسنا التقليدي، لا أستطيع أن أصف لكم مدى السعادة والمحبة التي نشاهدها في قلوبهم قبل أعينهم من دعاء وترحيب وشكر لكل من ساهم في إيصال المساعدات التي نحرص على إيصالها وتوزيعها بأنفسنا عليهم. من دارفور سقوط للحمار على الأرض من شدة التعب وثقل المعونات الصورة سلاح ودواء وغذاء على الجمعيات الخيرية الالتفات إلى أهمية الإعلام الجديد تتحول الكاميرا إلى سلاح ودواء وغذاء في يد المصور، يقول السلطان: نعم تتحول الكاميرا إلى سلاح خطير وفعال متى ما أُحسن استخدامها عندما تنشر ما يلاقيه الإنسان من ظلم فتتحرك الأمم والقرارات لنصرة المظلوم، وكلنا يعلم أحداث الساحة العربية وغلبة الصورة على السلاح بالإطاحة بالأنظمة من خلال نشر الصور في الانترنت وشبكات التواصل وما كان لها من ضغط دولي كبير غيّر ربما مسار العالم. ويستطرد: وتتحول الكاميرا إلى غذاء عندما تحث الصورة على التبرع لأطفال يموتون بسبب شح الطعام والشراب. وتتحول إلى دواء حينما تنقل حالة من لا يجد ثمن إبرة الملاريا أو إجراء عملية جراحية لعينه ليرجع إليه البصر بعد سنوات من الظلام فقط لأنه لا يملك 80 دولارا لإجراء العملية! الخبرة الفنية في صناعة اللقطة استغلال الزوايا في التقاط المشاهد واللمسات والنظرات وبؤس الأماكن يجعلها أكثر تأثيرا، يقول السلطان: في بعض الأحيان تحدث أحداث عفوية ومؤثرة ومثال ذلك ما حدث في دارفور عندما قامت أحد المستفيدات من وضع "خيشة" الدقيق على الحمار - أجلكم الله - فسقط الحمار من شدة التعب والضعف مما كان للصورة الأثر الكبير في إظهار شدة الفقر والجوع الذي تمر فيه المنطقة فيجب أن يكون المصور يقظا لتوثيق مثل هذه اللحظات بسرعة! كذلك التخطيط المسبق للمشاهد فقبل أي رحلة، نجلس مع الفريق لكتابة الأفكار وتخيل ما قد نشاهده بحيث تتم كتابة العديد من المواضيع قد تكون عفوية أو نضطر إلى عملها والبحث عنها لإيصال رسالة؛ كما حدث في الصومال من صورة حمل الطفل وظهور شعار الجمعية وعلم الكويت إشارة أن المساعدات والوفد وصل للمتضرر مباشرة. فوضى الأماكن واختلاط المشاعر في الأوضاع المأساوية يجد المصور نفسه في فوضى المكان واختلاط المشاعر! يصف لنا السلطان قدرته على التحكم في لملمة كل تلك الفوضى واختزالها في الصورة فيقول: لا أعرف ما السر ولكني دائما أتذكر قوله تعالى عندما أمر أم موسى عليه السلام بإلقائه في اليم فقال (فربطنا على قلبها) فما نشاهده من مآس وقصص لا أصدق نفسي كيف استطعت تصوير هذا المشهد الذي كلما أتذكره أجهش بالبكاء وأحمد الله عز وجل على ما نحن فيه من نعمة لا يحس بها إلا من فقدها. وفي الميدان أحاول التركيز دائما لأن الفوضى تغلب على الأماكن التي نتواجد فيها ونحاول جاهدين الترتيب للخروج بأفضل حصيلة من الصور المؤثرة. عائلة سورية نازحة على الحدود اللبنانية السورية رسائل استغاثة للعالم أجد السلام في ابتسامات الأطفال برغم الحرب والجوع والخوف بالنسبة لي آخر ما أفكر به الخروج بأعمال مميزة أتفرد بها، وأكثر ما يهمني هو نقل الواقع وتحريك المشاعر وأن أنقل من يشاهد الصور إلى أرض الميدان ليعيش حزنهم وفرحهم وتكون الرسالة صادقة بخاصة عندما تصل من شخص ذهب إلى الميدان؛ فليس من رأى كمن سمع وبالتالي يكون لها الأثر الكبير على إغاثة هذه الشعوب ومساعدتها من خلال المواد الإعلامية التي تنشر دعما لأي قضية إنسانية. مواجهة الأخطار في هذا النوع من التصوير نعم حياتنا في خطر فعندما كنت في الصومال أو سوريا أودارفور كان هناك احتمال إطلاق النار في أي لحظة أو الخطف وغيره وفي نظري أنها تستحق العناء للذهاب مباشرة إلى المحتاج من دون وسيط لإيصال الأمانة والتأكد من أن المتضررين هم المستفيدون من هذه المساعدات وليس غيرهم وهذا ما يعزز الثقة بنا. معاناة النازحين السوريين كما أسلفت أني متفرغ للعمل الخيري في إفريقيا فقط لصالح جمعية العون المباشر ولكن بسبب رؤيتي للحالات الإنسانية التي تدمي القلب مما يلاقيه الشعب السوري والنازحين قررت الذهاب إلى هناك وتطوعت لصالح الرحمة العالمية بهدف التغطية الاعلامية وتوثيق حالات النازحين وشظف العيش الذي يعيشونه ومساعدتهم في تلقي العلاج في المستشفيات، وتسديد الإيجار للنساء اللاتي لا عائل لهن. لقطات مؤثرة في سوريا أكثر ما تأثرت به تلك القصص التي يرويها النازحون، إحدى الأخوات بعدما قتل زوجها وهربت ببناتها الأربع ومنهما متزوجتان تم اعتقال زوجيهما؛ خافت على بناتها وهربت لبلدة مجاورة ومكثت الصغيرات في البيت بلا تعليم لمدة أشهر! تقول السيدة: كنا مرتاحين (تقصد أن لديهم المال في سوريا) والآن لا أملك حتى دفع الإيجار لصاحبة المنزل التي أقفلت علينا غرفة من الغرف الثلاث وفيها أمتعتي حتى أسدد الإيجار وقد اضطررت لأتسول عند أبواب المساجد لأكمل الإيجار! ومن ناحية أخرى كثير من القصص المفرحة من تعاطف الإخوة اللبنانيين والأردنيين وفتح بيوتهم للنازحين حتى وإن لم يعرفوهم فقد كان له كبيرالأثر علينا وعلى النازحين. هذا ما ينقص العمل الخيري أحب أن أذكّر الجمعيات الخيرية بالتوجه للتوثيق الاحترافي وعدم الاستهانة بالإعلام الجديد فالغرب يسخّرون كل الإمكانات لتقديم أجود الأعمال بأدق التفاصيل ونحن لا ينقصنا شيء للمنافسة وتقديم الأفضل من خلال احترام التخصص وهذا ما ينقص العمل الخيري الإسلامي والعربي. ويختم السلطان حديثه برسالة يوجهها لكل مواطن: إن كلا منكم يستطيع التغيير ولو باليسير من خلال تخصصك أو هوايتك تخدم دينك وبلدك وترفع اسمه عاليا بالعمل الخيري التطوعي فصنائع المعروف تقي مصارع السوء. والجدير بالذكر أنه صدر له حديثا كتاب توثيقي لرحلات السفاري في كينيا بعنوان kenya safari يخصص جزء من ريعه للعمل الخيري. ويمكن مشاهدة بعض توثيقه مثل كتاب دارفور في موقع الجمعية الالكتروني directaid.org. ومتابعة آخر أعماله من خلال موقعي الالكتروني majedphotos.com. ابتسامة الأمل والسلام طفلة مسرورة بمشروع الحصاد - بوركينا فاسو ابتسامة فرح بالمعونات المصور ماجد السلطان خلال توثيق إغاثة دارفور مصطفى مسرور بعد عودة بصره الذي فقده قبل 12 سنة وقد تخلى عنه أولاده - توغو أحد النازحين السوريين على الحدود اللبنانية ينظر بحنين إلى موطنه