الكتابة عن السياحة في السعودية أمر في غاية الصعوبة والتعقيد، لأن هذا القطاع الحيوي المهم مازال - للأسف الشديد - حبيساً في دائرة الشك والريبة والالتباس، ولم يتحرر بعد من قبضة قاعدة سد الذرائع، ولم يستطع هذا المرفق الاقتصادي الكبير أن يُغير الصورة المشوهة التي يحملها البعض عن السياحة باعتبارها إحدى أهم أذرع التنمية الحقيقية في الوطن، والأمثلة كثيرة جداً، فهناك الكثير من الدول الصغيرة والكبيرة التي تُشكل السياحة دخلها القومي الأكبر كفرنسا ومصر ودبي. نعم، نحن مازلنا ننظر لهذه الصناعة العالمية بشيء من الاستخفاف وعدم الاهتمام، بل وفي كثير من الأحيان، بشيء من التوجس والخوف. قبل عدة أيام، شاركتُ في ملتقى السفر والاستثمار السياحي السعودي والذي أقيم في العاصمة الرياض في الفترة من 2- 5 من شهر أبريل الجاري، والذي حمل عنواناً كبيراً "قضايا في التجربة السياحية المتكاملة". وعلى مدى أربعة أيام، قُدم العديد من المحاضرات والورش والتجارب المحلية والعربية والعالمية، إضافة إلى وجود معرض متكامل ضم بين أجنحته المختلفة كلّ الشركات والقطاعات المتخصصة في مجال السياحة والفندقة والتسويق. بالنسبة لي، كانت مشاركتي في جلسة "عيش السعودية"، وهي فكرة رائعة لعرض بعض التجارب السياحية الخاصة لبعض الشخصيات العامة أثناء زيارتهم لمدن ومناطق المملكة. لقد حاولتُ أن أعرض تجربتي السياحية بالضمير الجمعي، وليس بصفتي الشخصية، لأن واقع السياحة السعودية يكاد يكون معروفاً لدى الجميع، خاصة المهتمين بهذا القطاع الحيوي المهم في وطن حباه الله إمكانات هائلة لا مثيل لها على الإطلاق، سواء من ناحية روحية أو تاريخية أو جغرافية أو بيئية، فالسعودية، هذه القارة المترامية الأطراف تمتلك من المقومات السياحية ما يجعلها تتصدر خارطة السياحة العالمية، ولكن - وآه من لكن - الواقع عكس ذلك. ما هي معوقات السياحة السعودية؟ سؤال كبير ومعقد كهذا يحتاج إلى دراسات وأبحاث وندوات، وليس لمجرد مقال محدود كهذا. المعوقات والإشكالات كثيرة جداً، ولكنني سأتعرض لثلاث منها، أجدها الأكثر أهمية وخطورة. السبب الأول، هو عدم وجود تعريف واضح للسياحة التي نُريدها. هل نُريدها مجرد مجموعة من الاحتفالات والبرامج والفعاليات الموسمية، أم نُريدها مختزلة في الحصول على تذكرة طيران أو حجز فندق وشقة، أم نُريدها صناعة متكاملة تدر المليارات وتوفر الملايين من الفرص والوظائف؟ السبب الثاني، هو عدم استقلالية الهيئة العامة للسياحة والآثار كجهاز معنيّ بهذا القطاع الكبير، حيث تُعاني الهيئة من تدخلات ومعوقات على أكثر من صعيد، ما يُعيق هذه الهيئة الفتية التي لم تُكمل عقدها الأول إلا قريباً عن تحقيق الكثير مما تحمله من طموحات لا حدود لها. أما السبب الثالث، فهو وجود فكر منغلق يعتقد بأن السياحة عبارة عن مفسدة ورذيلة، وأن الاهتمام بها وببعض تفاصيلها الضرورية سيأخذ هذا المجتمع "المحافظ" إلى مهاوي الردى والفسق والانحلال! أعرف أننا جميعاً نملك سجلاً أسودَ، وتجربة مريرة حول سياحتنا الداخلية، بدءاً باستراحات طرق السفر المخجلة، ومروراً بصعوبة الحصول على تذكرة طيران داخلي، والارتفاع الكبير لأسعار فنادقنا وشققنا المهترئة، وانتهاءً بوفرة البديل الأفضل والأرخص والأكثر حرية وراحة المتمثل ببعض الدول القريبة والبعيدة.. لكل منا تجربته القاسية، فسياحتنا الداخلية رغم كل الجهود الكبيرة التي تبذلها الهيئة وبعض المبادرات الفردية هنا أو هناك، إلا أننا نحتاج إلى قناعة تامة من كلّ مكونات المجتمع السعودي بأهمية السياحة كمؤشر حضاري، وعجلة تنموية وذراع اقتصادية. هذه هي السياحة الحقيقية التي نحتاجها.. والآن عزيزي القارئ، ما هي إجابتك على السؤال أعلاه؟.