لماذا احتكرت الأحزاب الإسلامية المشهد السياسي في دول الربيع العربي ؟ في تقديري أنه حتى هذه اللحظة لم تتم الإجابة عن هذا السؤال الحيوي ، وبما يكفي لبناء تصور لمستقبل هذه الأنظمة . فبعد الإخفاقات الكبيرة للنظام السياسي العربي منذ الاستقلال وقيام الدولة القطرية ، وإلى ما قبل فوز جبهة الإنقاذ في الانتخابات الجزائرية والالتفاف عليهم ، وسرقة انتصارهم ، ومعاودة إقصائهم عن المشهد السياسي ، والاستمرار في منع الترخيص للأحزاب ذات الصبغة الدينية في غير بلد ، ثم تردي الواقع العربي من سيئ إلى أسوأ ، كل هذا قد أسهم بشكل أو بآخر في النظر إلى هذه الأحزاب على صعيد الجماهير بأنها ضحية الأنظمة الفاسدة ، حتى بدت كما لو أنها الوحيدة التي تملك الحل لكل الأزمات . وقدمت الأنظمة الحاكمة بإمعانها في إقصاء هذه الأحزاب أكبر خدمة لها ، حينما حاربتها ، ورفضتها حتى وهي تأتي من خلال صناديق الاقتراع .. فبدت في الضمير الشعبي بموقع الضحية ، والمخلّص الذي لا يُراد له أن يصل إلى السلطة لكي لا يكشف عن عورة سدنتها . حدث هذا في أكثر من بلد عربي ، وتجلت الصورة أكثر في معارك حزب الله في لبنان مع تيار 14 آذار في عام 2005 م ، وفي فلسطين مع حكومة هنية المنتخبة ، في حين أنه لو تركت هذه التيارات تأخذ دورها في السلطة لسقطت منذ الوهلة الأولى إن لم تع ِ أنها جزء من اللعبة السياسية لسبب بسيط ، وهو أن النظام الدولي ما عاد يتسع للحكومات المؤدلجة ، وبالتالي لا أحد بمقدوره أن يعزل بلده اقتصاديا وتجاريا وعسكريا وعلميا عن محيطه الدولي إلا إن كان يريد أن يدخل في مغامرات قاتلة على حساب شعبه كما يفعل النظام الإيراني حاليا . في مصر الآن تتعالى أصوات كل المطالبين بأن تأخذهم الثورة إلى تطبيق الديمقراطية بعدما استحوذ الإخوان والسلفيون " ديمقراطياً " على غالبية المقاعد في مجلسي الشعب والشورى ، لتطالبهم باحترام وعودهم بألا يزجوا بكل قوتهم في الانتخابات ، لا بل بلغ الأمر حد الصراخ عندما قرر الإخوان تسمية مرشح رئاسي من بين كوادرهم الحزبية بدعوى أنهم سيحتكرون كل السلطات . وبدأ الحديث عن ضرورة الوصول إلى صيغ ديمقراطية توافقية على غرار ما حدث في لبنان حينما اخترع لهم ميشيل شيحا ما يسمى لبنانياً بالديمقراطية التوافقية ، رغم أن الديمقراطية لا تلتقي أبدا مع التوافق ، فإما أن تقبل بالديمقراطية بكل حسناتها وسيئاتها أو تذهب للتوافق والمحاصصة ، أما أن تجمع الاثنتين معا فهذه ديمخرافية وليست ديمقراطية ، وهذه هي علة النخب السياسية في العالم العربي مع ديمقراطياتهم المشوهة فهم يريدونها كآلية ولكنهم لا يريدون نتائجها إن كانت في غير صالحهم ، وقد تتجلى هذه الكوميديا الغبية بدعوة نوري المالكي الذي لا يزال يحتكر السلطة في العراق ويتبجح بديمقراطيته المزعومة في مؤتمر قمة بغداد الأخيرة ، ليطالب بأن تكون أنموذجاً لدول الربيع العربي " ياللمهزلة " ، في الوقت الذي بدا فيه وفده في المؤتمر بلون واحد . من هنا فإن أسهل طريقة لإسقاط وهم هذا النوع من الديمقراطيات من أذهان جماهيرها هو بتركها تحكم دون تغطيتها أو تمليحها ببعض الوجوه غير الفاعلة من خارج أطرها ، هنا فقط ستكتشف الشعوب أنها كانت تجري خلف سراب صنعه الإقصاء ، ولابد أن تعرّيه التجربة . لذلك لابد من منحهم فرصة للسقوط عوضا عن محاولة إسقاطهم عنوة ، حتى ينكشف الوهم وتعود الشعوب إلى الفهم الحقيقي لمعنى الديمقراطية ، وأنها ثقافة أمم قبل أن تكون آلية نظام .