نُسِبَت الحركة الشبابية الواسعة التي عُرِفت باسم "الربيع العربي" وكادت تعمّ العالم العربي أجمع، إلى قدرة هذا الشباب على استخدام واستثمار واستغلال الإمكانات الهائلة التي يُتيحها الفضاء الرقمي أو الثورة الرقمية، ولئن حدثت تلك الحركة وظهرت نتائجها الملموسة في العام 2011م فبمَ كان الشباب العربي يهتمّ على الإنترنت أو الفضاء الرقمي في العام 2010م ؟ حيث يأتي هذا الإصدار بوصفه أول كتاب علمي شامل يتصدّى للسؤال ويُجيب عنه بدراسة علمية رصينة وجادة هو الكتاب الصادر عن "مؤسسة الفكر العربي" في سلسلة كتبها الشهرية "معارف" وهو يحمل عنوان "قضايا الشباب العربي في الفضاء الرقمي في العام 2010م. ويقع الكتاب الذي شارك في أبحاثه فريق من المختصين تحت إشراف خبيرَي المعلوماتية: جمال غيطاس، رئيس تحرير مجلة "لغة العصر" التي تصدر في القاهرة، وخالد الغمري أستاذ اللغويات الحاسوبية في جامعة عين شمس، يقع في 330 صفحة، وهو من القطع الوسط، حافلٌ بالجداول والرسوم البيانية لإيضاح النتائج الإحصائية والاستقصائية والتحليلية التي وصل إليها فريق البحث؛ إذ تشغل تلك الجداول والرسوم البيانية ثلث حجم الكتاب 100 صفحة تقريباً، فيما توزّع الثلثان الآخران من الكتاب على سبعة فصول، عرَضَ أولها، وهو بعنوان "منهجية جلب البيانات وبنيتها وتحليلها"، لمنهجية البحث وكيفية الحصول على المواد الأولية التي شكلت مضمون الجداول وتحليلها البياني.. كما عرض الفصل الثاني لأهم "القضايا التي أثارها الشباب العربي في العام 2010 م عبر الفضاء التفاعلي الرقمي العربي" وهي 53 قضية، أهمها عشرون قضية كبرى، توزّعت في بابين كبيرَين هما : قضايا الشأن العام، وقضايا الشأن الخاص. أما الفصل الثالث فتناول جماهيرية القضايا المثارة، أي أهمية كل قضية من القضايا التي تشغل الشباب العربي على الإنتنرنت، وموقع كل منها، في كل بلد عربي.. فقضايا الشأن العام التي جاء منهاغ القضايا التالية: قضية الاتفاقيات الدولية؛ قضية الإدارة؛ قضية الأدب والثقافة والفكر؛ قضية اتفاقيات السلام؛ قضية إسرائيل؛ قضية حقوق الإنسان؛ قضية الإرهاب والتطرّف؛ قضية الأزمات العالمية؛ قضية الإعلام وحرية التعبير؛ قضية فلسطين.. أما قضايا الشأن الخاص فاشتمل الإصدار على عدد منها: قضية الخواطر والمشاعر؛ القضايا الدينية؛ قضية النصائح والإرشادات على اختلاف انواعها: التعليمية، الطبية، الخ.. قضية المناسبات والأعياد؛ قضايا الجنس؛ قضايا الصحة والطبابة؛ قضية الطرائف؛ قضية التلفزيون والفضائيات؛ قضايا السينما والأفلام السينمائية؛ قضايا الممثلين والممثلات والنجوم. كما ضمت الفصول الرابع والخامس والسادس تلك القضايا من زوايا مختلفة، أو من خلال ما أطلق عليه المؤلفان تسمية "بصمات" مختلفة، والمتمثلة في القضايا التالية: "البصمة الجغرافية" أي تصنيف البيانات على أساس البلد الذي يصدر عنه المحتوى، واتَّضح من نتيجة التحليلات أن هناك عشرين دولة عربية شاركت بقدر أو بآخر، في إنتاج النقاش الذي دار حول القضايا ال 53 عبر الفضاء الرقمي التفاعلي الذي يقسمه المؤلفان إلى ثلاث قنوات أو ميادين هي: "المدوَّنات" و"المنتديات" و"الفيس بوك" أما الثانية فعن "البصمة التقنية" أي أن هناك قدرات وإمكانات وخصائص لكل قناة من تلك القنوات النشر الثلاث عبر الإنترنت، تختلف في كل منها عن الأخرى، وتعود إلى طريقة تشغيلها والتعامل معها والتواصل عبرها: ف"المدوَّنة تعبّر عن المستخدم الفرد، والمنتدى ساحة مفتوحة للآلاف، والفيس بوك وسيط تواصل بلا ضفاف يمزج ما بين الحضور الفردي والتجفق الجماعي، وفي كل من القنوات الثلاث أدواتٌ لا تتوافر في غيرها" أما الثالثة فجاءت عن "البصمة الزمنية" وتعني أن "معدّل الاهتمام الجماهيري بالقضايا المختلفة يخفت أو يقوى مع الوقت، تبعاً لمتغيّرات عدّة، تجعل بعض تلك القضايا تتصدَّر المشهد في وقت معيّن، ثم تتراجع تاركة الصدارة لغيرها في وقت آخر.. ويسعى المؤلفان إلى تفسير هذا التغير من خلال العوامل المستجدة التي تجعل قضية ما تتقدّم أو تتراجع عن غيرها فيتقدّم تناولها على الفضاؤء الرقمي أو يتراجع تبعاً لذلك. ويخلص الفصل الأخير الذي جاء بعنوان: "الفضاء الرقمي التفاعلي العربي.. ساحةٌ للبوح ومسرح للثنائيات" إلى النتيجة العامة التي يمكن الخروج بها من التحليلات التي يقدّمها الكتاب والمتمثلة في أن الفضاء الرقمي العربي هو مسرح كبير عملاق تجوبه حزمة من الثنائيات التي تُضفي عليه قدراً كبيراً من الحيوية، وتُنبئ بأنه مرشَّحٌ للتوسّع في الحجم، والتعاظم في الأهمية والرشاد والنضج في الأداء.. ويعدّد الكتاب الثنائيات التالية: ثنائية الحركة في الفضاء الرقمي والحركة المرتبطة بها في الواقع الفعلي، أي حركة الشارع العربي؛ ثنائية قضايا المقدمة وقضايا المؤخرة، أو "فقه الأولويات في القضايا المُثارة" ثنائية الانتشار الظاهري والانتشار الفعلي؛ ثنائية الشأن العام والشأن الخاص؛ ثنائية التناول العميق والتناول السطحي، أو الأفقي والعامودي؛ ثنائية التبعية والندّيّة بين من يكتبون ومن يقرؤون؛ ثنائية الوجوه المتعددة والوجه الواحد للجمهور؛ ثنائية العلانية والتخفّي في تناول القضايا؛ ثنائية التوافق والخلل الجغرافي في محتوى القضايا؛ ثنائية الكر والفر بين الرجل والمرأة. وقد تمحورت الأسئلة التي طرحها الإصدار حول حدود الدور الذي لعبه أو يلعبه الفضاء الرقمي التخيُّلي العربي في ما يجري واقعياً وميدانياً وعلى الأرض من أحداث وتغيّرات.. ومن خلال البيانات والمعلومات التي يقدّمها الكتابيتبيّن للقارئ أن الفضاء الرقمي العربي وفَّر بيئةً خصبةً أمام شريحة لا يُستهان بها من المواطنين العرب، من أجل إنتاج وتداول وتوزيع وتوظيف المعلومات الخاصة بأكثر من خمسين قضية، بعيداً عن مراكز اتخاذ القرارالعليا للمجتمع؛ فقد نقل هذا الفضاء عملية إنتاج المعلومات الخاصة بهذه القضايا إلى الأرصفة والميادين والمقاهي والنوادي والشواطئ والأرائك في غرف الاستقبال بالمنازل.