قد يلومنا الأبناء والأحفاد ومن يأتي بعدهم على ضياع الثروات إن لم نحسن استثمارها، وقد يقولون: كانت لدى الآباء فرصة للنهوض بالبلد وتنويع مصادر الدخل ولم يستثمروها، كانت لديهم فرصة لأخذ البلد إلى مصاف الدول المتقدمة لكنهم لم يستثمروا ما وهبهم الله من فرص وخيرات كثيرة. تنويع مصادر الدخل وإيجاد وظائف مجدية للشباب من الجنسين أصبح ضرورة يجب أن تسعى كل أجهزة الدولة المعنية لتحقيقها، ولتتضافر الجهود في هذا الوقت بالذات حيث تعيش المملكة في وفرة مالية واستقرار سياسي في محيط مضطرب يحيط بها من كل جانب ذكرت في مقالات سابقة أن زمن الوفرة المالية هو من أفضل الفترات لبناء المشاريع العملاقة ذات الجدوى الاقتصادية، وضربت مثالاً في بناء المدن الصناعية بجهود المخلصين من قادة المملكة وأبنائها وبمساعدة بيوت الخبرة العالمية لبناء اقتصاد قوي يساهم في تنويع مصادر الدخل ويوجد فرص عمل مجدية لأبنائها، ولتصبح المملكة ورشة عمل تضاهي دول جنوب شرق آسيا، وقد استبشر الناس خيراً بالإعلان عن مدينة وعد الشمال وما يجري في الجبيل وينبع ورأس الخير من بناء وتشييد لمصانع عملاقة، وتحدثت عن ضرورة الاستثمار في البنية التحتية والخدمات، لكنني حذرت في الوقت نفسه من خطر الوفرة المالية إذا لم يحسن استثمارها، فقد تصرف على مشاريع أقل أهمية، ومبالغة في التكاليف وصعوبة في الصيانه، الوفرة نعمة ونقمة، مما يعزز من أهمية دور الجهات الرقابية على المال العام، وضرورة وضع الكفاءات الشابة المخلصة في المواقع القيادية. وتعد السياحة الداخلية من الروافد المهمة لتنويع مصادر الدخل وخلق فرص العمل وبناء المشاريع الناجحة، وخير مثال على ذلك مدينة الغاط، حيث نجحت جهود هيئة السياحة ومحافظ وأهالي الغاط في إعادة بناء قرية سياحية صار يقصدها كثير من أهالي البلدة ومن المدن المجاورة، فصارت المرأة تبيع ما تنتجه، والشاب يبيع ما يطبخ في البيت، والفلاح يبيع ما تنتجه مزرعته، إضافة إلى ما تحفل به البلدة في كل مساء يوم خميس من ترفيه ونشاطات ثقافية ومتحف يحكي تاريخ مدينة ومنطقة، وقد أثلج صدري مرأى الأطفال وهم يرسمون المناظر الجميلة في وسط السوق، الترفيه عن الأسر مهم جداً وهو ثقافة لم يفهمها الكثير من الناس بعد. كل ما سبق يقودني إلى اقتراح أن نعطي السياحة الداخلية مزيداً من الاهتمام، وخصوصاً من قبل الدولة في زمن الوفرة حتى تأخذ السياحة دورها في خلق الوظائف والمساهمة في تنويع مصادر الدخل، ومن أهم الخطوات ما يأتي: * الخطوة الأولى التي أرى أنه يجب البدء بها هو إصلاح الحالة المتردية لمحطات الوقود التي على الطرق، فلا يعقل أن تبقى بهذا الوضع من بدائية وسوء بناء وانعدام نظافة وخصوصاً دورات المياه، للأسف تبقى العائلات على الطرق السريعة ساعات طويلة دون تمكن أفرادها من وجود أماكن مناسبة للراحة بعكس جميع الدول المتقدمة، والسبب هو أن رخصة بناء المحطة تعطى لتاجر يبيعها لغيره وهذا بدوره يبنيها ويؤجر كل نشاط لوافد همه الربح فقط، وتبقى المرافق الهامة من مسجد ودورات مياه ومطاعم وأماكن جلوس دون المستوى المطلوب، والواجب أن تعطى هذه المحطات لشركات متخصصة في بيع الوقود مثل أرامكو لتكون مسؤولة عن جودة الخدمات في المحطة ومنها دورات المياه التي يجب أن يخصص لها عمالة نظافة على مدار الساعة، إن بقاءها على هذه الحال تتجاذبها أكثر من جهة يسيء لكل مسافر وكل وافد إلى هذه البلاد الطيبة. * من الأهمية بناء مدن سياحية في المملكة سواء على الساحل الشرقي كالعقير أو في الجنوب كالطائف وجيزان وفي شمال المملكة كمنطقة تبوك والعلا لنستثمر السواحل الجميلة والجزر والمناطق الجبلية، وقبل أن نطالب القطاع الخاص بالبناء، على الدولة أن تهيئ البنية التحتية والخدمات الضرورية من طرق وماء وكهرباء وحجز ما يكفي من المساحات للحدائق والشواطئ المفتوحة للرياضة بأنواعها للمتنزهين. * لننجح في جذب نسبة من ملايين العائلات والأفراد الذين يسافرون في كل عام إلى خارج المملكة علينا أن نسأل لماذا يسافرون؟ والبحث عن إجابة لهذا السؤال يشبه من يمشي في أرض زرعت بألغام خشية سوء الفهم الذي يرافق كل اجتهاد يبحث في ترفيه العائلات، لكن المصلحة تقتضي البحث الجاد عن أسباب النزوح شبه الجماعي مع بداية كل إجازة إلى خارج المملكة، وفي اعتقادي أن من أهم الأسباب هو توفر الحرية الشخصية في تلك البلاد، والحماية الصارمة للأسر من التحرش والمضايقة من قبل المراهقين والعابثين، ووجود مواصلات عامة نظيفة وأماكن ترفيه للعائلات والشباب كالمطاعم النظيفة والمقاهي ودور السنما دون تدخل أو فصل مبالغ فيه، ومن أكثر ما يتضايق منه السائح هو حين تُفرض عليه أمور فيها اختلاف، أما الثوابت والمحرمات فلا يمكن ان يتضايق منها أحد في هذه الديار المباركة، بل هي ميزة تفخر بها المملكة، الاختلاف رحمة من الله، ولو شاء سبحانه لجعلنا على طريق واحد وبسلوك ثابت لا يتغير، لكن لله حكمة في كثير مما في هذا الكون لا نحيط بأسراره، ومهما اجتهدنا سيبقى الاختلاف إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. تنويع مصادر الدخل وإيجاد وظائف مجدية للشباب من الجنسين أصبح ضرورة يجب أن تسعى كل أجهزة الدولة المعنية لتحقيقها، ولتتضافر الجهود في هذا الوقت بالذات حيث تعيش المملكة في وفرة مالية واستقرار سياسي في محيط مضطرب يحيط بها من كل جانب، مما يحتم السير حثيثاً نحو الاقتصاد المبني على تعدد مصادر الدخل من صناعة وسياحة وخدمات لها صفة الاستمرار والنمو.