في وقت الضحى من كل يوم تَهُم" هيله " على وجارها لدعم النار الموقده بسبب أن اباها يأتي قادماً من سوق الديرة متبضعاً بعض الحاجيات التي يأخذها لبيته في" القرية "، يجلس كعادته متكياً قريباً من النار يحتسي فنجان قهوة أعد له خصيصاً. تسأله" هيله " وهي تمد فنجان"عملاق" لا يحتسي منه إلا والدها:" إلا يبه؟، يقولون الوادي سايل عقب ذا الخير اللي جا". يرفع رأسه ويمضغ التمر ثم يبصق" بالفَصَّمة " في يده ليلقيها في إناء صغير معد للفَصَّم:"أبشرتس كل الشعبان سايله، حتى الضلّعان الصغار صّبت من فوق، حنا بخير ان شاء الله والنخيل ارتوت والقلبان امتلت". يدخل زوجها مستعجلاً آتياً من دكانه في الديرة، مسلماً:" مسيك بالخير ياخالي, عسى ما عليكم خلاف بالديرة". وقبل أن يرد الشيخ الكبير سلام صهره،, يفاجئهم الابن وكعادته"يهرش"ساقيه التي تسيل دماً، داخلاً عليهم وهو يبكي، الجّد:"وش في الولد..؟"، هيلة:" والله يبه أني قايلتن له، لا تفغص القمل تراه مسكون، بس قبله يرعصهم باصابعه ويغرقهم بالمويه والظاهر انه"بسم الله"، ومن عقبها وهو يحك ويمرش سيقانه وظهره". الجد والد هيله:" ماله الا ابو عيد، ودوه له والا خلي ناصر يقابله في الصفاة وهو بيعالجه". أبو عيد إنسان ملائكي، رجل خارق، عرف عنه بمداواة المرضى و" المسكّونِين "لكنه يحتاج إلى رحلة إذا ارادوا زيارته في بيته. يتفقون مع جار لهم في الحي سائق شاحنة، ليوصلهم إلى بيت أبو عيد خلف الجبل التاريخي" أبو مخروق "، في حي ابو عيد"الملز" البيوت متناثره وبعيده كلياً عن البلد. وصلوا مع جارهم للشيخ ابو عيد، يدخل عليه ناصر:"مسيك بالخير" ابو عيد الذي اصطف الناس حول مجلسه، يرتب قوارير ماء لونها اصفر وبها ورق،:"وشفي ولدكم..قربوه"يكشف عليه، ثم يعطيه ذلك الماء الأصفر وكريم زان، قد نفّث فيهما. قال لناصر:"ولدك مافيه الا العافية، ودوه للصحية احسن". يصلون للبيت ويتذكرون أن الدكتور الرخاوي قريب من عند موقف الدرعية جنوب سوق الحساوية، يذهبون بالصبي للرخاوي، ويعيدون عليه قصة النمل" المسكون " وتحذيرات الأم له لكنه لم يسمع نصائحها. الرخاوي، يجد أن الإهمال في تربية الابن وحثه على الغسيل ولبس النعل كانا سبباً في مأساته. يرمي سماعته على الطاولة ويقول:"إن هذا الابن يحتاج إلى ابر مضادة للبكتيريا التي اجتاحت قدميه وسيقانه. يهم هذا الدكتور في تجهيزها، ويصرخ الابن:"يبه..تكفى لا" توتنوني"، والله ان أتوب"، هذا الابن بعد أن اخذ تلك الإبرة، التي اصبحت عدواً له، لمس اهله خيطاً لاعادة ترتيب تربيته بتهديده بها، وكلما لزم الأمر، قالوا له" ترا بنوتنك" .