سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
العرفج: الدولة منحت الموقوفين حق الدفاع عن أنفسهم إبراءً للذمة وتحقيقاً للعدالة وكيل المتهمين في قضايا الإرهاب يستهدف العقوبة المستحقة وليس البراءة.. ويشيد بتعاون «المباحث»
أكد المحامي «يوسف العرفج» - وكيل عدد من المتهمين في قضايا الإرهاب ممن يحاكمون حالياً بالمحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض - على أن الدولة وضعت على عاتقها منح الموقوفين حق الدفاع الشرعي والقانوني عن أنفسهم تحقيقاً للعدالة، وانتصاراً للقانون، مشدداً على أن هدفه ليس تحقيق البراءة المطلقة لموكليه، وإنما الوصول إلى العقوبة المستحقة لكل متورط منهم. وقال في حديث ل»الرياض» إن أسباب اعتذاره وانسحابه في الدفاع عن عدد من المتهمين راجع إلى أن بعض هؤلاء المتهمين لا يزالون يصرون على أنهم لم يخطئوا، وعلى قناعه تامة بما قاموا به، بل إن بعضهم يدين بالبيعة لجهات خارجية، مشيراً إلى أن بعض الموقوفين عندما طلب منه التوبة والندم؛ لتضمين ذلك في لائحة الدفاع عنه رد غاضباً أنه لوكان يريد التوبه لأعلنها منذ أول يوم قُبض عليه فيه، مفنداً تشكيك بعض من وصفهم ب»اليائسون» في المحكمة وزعمهم أن أحكامها مسبقة، مؤكداً على أن هذا ضرب من التجني والكذب، ولو شعر لوهله بصحة ذلك لما ظل مترافعاً في في هذه القضايا. وأضاف أن طبيعة العلاقة مميزة مع إدارات سجون المباحث، ويجد التسهيلات خلال لقائه بالمتهمين داخل تلك السجون، موضحاً موقف القضاء من اعتراض بعض المتهمين على الأحكام وطلبهم الاستئناف. وأشار إلى أنه يترافع عن (100) متهم في خلية ال(85) المتهم عناصرها بتفجيرات الرياض التي هزت ثلاث مجمعات سكنية، ومتهمين في الخلية المتهمة بالشروع في استهداف قاعدة الأمير سلطان الجوية بالخرج، وخلية استهداف مصفاة بقيق وأرامكو، ومتهمين ضمن الخلية المتهمة باستهداف مواقع حيوية بالكويت، وخلية استهداف الطائرات، وقضايا أخرى تتعلق بالانتماء للقاعدة والتكفير وغيرها، وفيما يلي نص الحوار: قضاة «الجزائية» يشجعون المتهم على «الاستئناف» وكثير من المتهمين يخفون عن أسرهم حقيقة التهم! 100 متهم * كم عدد المتهمين في قضايا الإرهاب ممن تتولى مهمة الدفاع والترافع عنهم حالياً؟، وما قضاياهم؟ - عددالمتهمين الذين أتولى الدفاع عنهم بالمحكمة الجزائية بالرياض حتى الآن قرابة المائة متهم أغلبهم متهمون في قضية ال (85) المعروفة بخلية (الدندني) المتهمه بتفجيرات المجمعات السكنية الثلاثة بالرياض، وقضية الخلية التي اتهمت باستهداف قاعدة الأمير سلطان بالخرج، وقضية استهداف مصفاة النفط ببقيق، وخلية أرامكو بالظهران، وخلية الكويت بحفر الباطن، وخلية استهداف المطارات، وقضايا أخرى عدة تتعلق بالانتماء لتنظيم القاعدة، وأخرى تتعلق بانتهاج أفكار تكفيرية أو القتال في مواطن الفتنة، وعدم وضوح الراية، وأخرى تخص الانتماء لتيارات خارجية فكرية، وتبقى كل هذه القضايا والتهم المنسوبة إلى الموقوفين على ذمة هذه القضايا "تهماً" إلى حين ثبوت الإدانة، والدولة وضعت على عاتقها منحهم حق الدفاع الشرعي والقانوني عنهم بتوكيل محامين للدفاع عنهم، وهذا تحقيق للعدالة وانتصار للقانون، وقاعدة رجال القانون تتلخص في أن أي متهم بريء حتى تثبت إدانته بالأدلة والبراهين التي يصادق عليها شرعاً بحكم شرعي مكتسب القطعية. المشككون في القضاء «يائسون» و«كاذبون» ولو شعرت باستباقية الأحكام لانسحبت من المحاكمة إبراء الذمة * ما أكبر عدد من التهم الموجهه للمتهمين ممن تتولى الدفاع عنهم؟، وهل يستلزم ذلك دفع كل تهمة على حدة أم في مجملها؟ - أكثر التهم الموجهة لبعض المتهمين قاربت الخمسين تهمة، وبعضهم وجهت إليه تهمة وتهمتان، وكثير من المتهمين طلب المدعي العام في حقهم عقوبة القصاص بحد الحرابة أو القتل تعزيراً، ففي قضية كقضية خلية الدندني التي تخص تفجيرات المجمعات الثلاثة بالرياض، وجهت 48 تهمة وزعت على 85 متهماً، طلب في 74 منهم عقوبة القصاص بحد الحرابة أو القتل تعزيراً، ولا يعني ذلك الحكم على هؤلاء بهذه العقوبة، فالأصل في شريعة الله وحكم القضاء حقن الدماء والخروج من شبهة الخوض في سفكها إبراءً للذمة، وهذه شريعة الله وحكمة القضاء، وهذا ما نراه من القضاة أنهم يتورعون عن الخوض في الدماء، خاصة في قضايا شائكة كهذه القضايا تشوبها كثير من الشبه أحياناً، وربما ضعف الأدلة المنسوبة لبعض المتهمين، وطبيعة الحال أن يكون المحامي حاملاً لكل قضية هماً، وهمة وكل قضية عن كل شخص على حدة هي بمثابة البحث المؤصل والتحري والدقة لديه، ويجب على المحامي في أي قضية دفاع عن أي متهم أن يدفع بدفوع شكلية وأخرى موضوعية، وعليه أن يجيب عن التهم العامة والخاصة في كل دعوى وعن كل تهمة على حدة وبموضوعية وشفافية وربما جرأة تستدعيها الدعوى أحياناً إبراءً للذمة، ومحاولة للوصول إلى تقديم جواب دفاعي كامل ودقيق، ولاشك أن الهدف ليس هو البراءة المطلقة بقدر الوصول للعقوبة الحقيقية التي يستحقها المتهم. موقوفون يصرون أنهم لم يخطئوا ويدينون بالبيعة لجهات خارجية مكتب التنسيق الأمني * تتطلب طبيعة عملك التواصل مع المتهمين في السجن، والسؤال: ما آلية ذلك التواصل؟، وهل تواجه عقبات أو صعوبات في لقاء موكليك؟ - هذا السؤال مهم جداً، وحقيقة لا أقول إلاّ ما أراه وأدين الله به يوم أن ألقاه، فتعاون الجهات المعنية في هذا الصدد منقطع النظير؛ فالتسهيلات التي تُمنح لي كمحامي دفاع في مثل هذه القضايا الحساسة تستدعي الشكر لله على توفيقه للجهات المعنية لمثل ذلك، فالمحامي بمجرد إبداء استعداده للدفاع يخرج خطاب رسمي من مكتب ناظر القضية إلى مكتب التنسيق مع الجهات الأمنية ذات الاختصاص بالمحكمة، ويرسل على الفور إلى إدارة السجن حاملاً اسم السجين وموافقته على تمكين المحامي من زيارته في السجن لمناقشة التهم الموجهة إليه مع محاميه، وأزور السجين بتنسيق هاتفي مع مسؤول تم تخصيصه للتواصل مع المحامين لتسهيل مواعيد الزيارة في كل سجن من سجون المباحث العامة، وبمجرد اتصالي على هذا المسؤول أجد منه الاهتمام البالغ، بل أحياناً يسبقني المسؤول هو ذاته بالاتصال وإخباري أن ثمة زيارة منحت لي من أجل لقاء المتهم فلان، وأجد حقيقة - وهي شهادة لله - كل ترحيب وعناية تبعث بالأريحية، حيث خُصص مكتب للزيارة تتوفر فيه كل سبل الراحة وأخلو مع المتهم من غير رقابة وبمدة مفتوحة، ويشهد الله أني أزور كثيراً من السجناء وتمتد زياراتي بهم إلى أوقات خارج الدوام الرسمي يصل بعضها إلى التاسعة ليلاً، وهنا أشكر إدارات سجن الحاير، وسجن المباحث بالرياض، وسجن ذهبان في جدة، وسجن الطرفية في القصيم، وسجن المباحث بالدمام، ومكتب التنسيق بالمحكمة الجزائية بالرياض على تعاونهم المنقطع النظير وحسن استقبالهم وعلى جميع ما يقدمونه ويبذلونه من حرص على منحي كمحامٍ كامل الأريحية من أجل القيام بمهامي الذي ينعكس إيجاباً على نفسية المتهمين. الادعاء طلب القصاص بحق 74 متهماًفي خلية «الدندني» احترام أنظمة السجن * ماذا عن السرية في مثل هذه القضايا الحساسة وتعاون الجهات الأمنية وإدارة السجن معكم في هذا الشأن؟ - ما يهمني - وأظنه يهم الجهات المعنية وأراه يصب في صالح المتهم أيضاً - هو الحفاظ على سرية كل ما يحيط هذه القضايا من إجراءات، خاصة إجراءات الجهات الأمنية؛ فلا يحق للمحامي التدخل في شؤون السجناء أو أن يطلب طلبات ليست من اختصاصه، وعليه أن يحترم قوانين وأنظمة السجون، وأن يلتزم باحترام وتقدير هذه الجهات؛ كونها جهات تمثل ولي الأمر، وحين حصول أي عارض لا سمح الله أو خلل؛ فللمحامي سلوك الطريقة الصحيحة التي تتمثّل في إيصال النقد الواعي للمسؤول باحترام وتقدير ومهنية عالية، وعن نفسي ومن خلال تجربتي في هذه السجون أسعدني كثيراً ما يطلبه المسؤولون بأنفسهم من اقتراحات أو توجيهات يراها المحامي تصب في الصالح العام للوطن والمواطن، وأجد قبول كل ما يتم طرحه أو نقاشه محل تقدير واهتمام بالغ، ولاشك أن مثل هذه القضايا الحساسة والتعامل مع المتهمين فيها يتطلب حضور عقل وعاطفة متزنتين من دون إفراط ولا تفريط، والاحترام المتبادل بين المحامي والجهات المعنية هو واقع الحال الذي أراه في زياراتي لهذه السجون، خاصة في حفظ الكرامة للمتهم بجلوسه مع محاميه من دون قيود. قاض طمأن متهماً أن أحكامه أمانة وذمة سيقابل الله بها أحكام مرضية * بالمناسبة.. كم عدد القضايا التي صدرت فيها أحكام ممن توليت الدفاع عنها؟ - صدرت عدة أحكام في القضايا التي توليتها وجميعها أحكام مرضية بالنسبة لموكليّ، بل هي أحكام تدعو للتفاؤل والاستمرارية في الدفاع عن هؤلاء المتهمين، فبعض ضعاف النفوس واليائسين يشككون في المحكمة وصدقيتها ويدعون أن الأحكام مسبقة ومنتهية؛ وهذا ضرب من الكذب والتجني على القضاة والمحكمة والمحامي نفسه؛ فلو شعرت لوهلة بصحة هذه الدعوى الكاذبة لما ترافعت في قضية واحدة، وإني لأجد الأثر الكبير والطيب والمبارك في تحقيق سير العدالة، من خلال ترافعي للوقوف جنباً إلى جنب مع القاضي ناظر القضية، ومن خلال تجربتي أجد من القضاة الاستبشار بحضورالمحامي المتمكن الملم بما يقوم به في حدود ما منحته القوانين والأنظمة من دون تجاوز أو تقصير وقضاة هذه المحكمة رحماء ويفهمون واقع الحال بعمق، وجميع ما صدر من أحكام ولله الحمد كانت إما بالمدة التي قضاها المتهم أو أقل من ذلك، وغالباً ما تكون محل قناعة من المحامي والمتهم، وأذكر فقط قضية أو قضيتين هي من جاوز الحكم فيها مدة الإيقاف بسنة أو سنتين مع أن العقوبة المطلوبة في بعضهم هي القصاص، وفي النهاية هو الحق يعلو، وأذكر مقولة لأكثر من قاض قالها لي، فالأول قال لأحد المتهمين وهو صادق (والله لو أن أحداً تدخل في عملي كقاض لما قبلت البقاء على هذا الكرسي)، وآخر قال: (والله لن أحكمكم إلاّ بأحكام ستدخل معي إلى قبري وأقابل الله بها)، وصور كثيرة من الرحمة يطول ذكرها عن القضاة. طمأنة المتهم * نلاحظ خلال حضورنا كإعلاميين لجلسات المحاكمات أن القاضي يسمح لك بالجلوس مع موكليك قبيل الجلسة لمراجعة إجاباتهم، ويدور حديث ونقاش بينك والمتهمين.. كيف تقيم إجراءات التقاضي بالمحكمة؟ - القاضي بطبيعة الحال في بلادنا ولله الحمد يتمتع بقلب رحيم وعقل فطين وإدراك لنفسية المتهم من جميع جوانبها، وخلال ترافعي في هذه المحكمة لم يردّ لي طلب واحد طلبته يصب في صالح القضية أو المتهم؛ فهمّ القاضي بالدرجة الأولى أن يحقق العدالة الشرعية والقانونية التي تبرأ بها ذمته أمام الله بمنح المحامي والمتهم حق الدفاع الكامل والمهلة الكافية والوافية التي تشبع رغبة المحامي والمتهم، ولا شك أن جلوس المحامي قبيل الجلسة مع موكله ربما لساعات هو في سبيل طمأنة المتهم أولاً على ما سيقدمه محاميه من جواب يقرأه المتهم ويراجعه بدقة مع محاميه، بل إني أذكر أن المرافعة العلنية في أحد الجلسات استمرت قرابة الخمس ساعات إلى خارج الدوام الرسمي. من دون ضغوط * يجهل كثير من المتهمين حقوقهم في المحكمة وفي السجن، وهي الحقوق التي كفلها لهم النظام ونص عليها نظام الاجراءات الجزائية، والسؤال: ما دوركم في تعريف المتهمين بحقوقهم قبل محاكمتهم وخلالها؟ - لاشك أن المحامي يضع في ذمة القضاء حال الدفع بمذكرة جوابية عن موكله بدفوع شكلية تنص على كل ما تعرض له موكله منذ القبض عليه إلى حين حضوره للمحكمة لنظر الدعوى المقدمة ضده، وهذه الدفوع لها أثر من حيث تقدير العقوبة، وكثير من المتهمين حينما يشرح له حقوقهم في نظام الإجراءات الجزائية أو المرافعات الشرعية أو نظام المحاماة يصابون بالدهشة أن ثمة حقوقاً وقوانين يعاملون بها، ويحق لهم المطالبة بها منذ القبض عليهم إلى حين محاكمتهم، إضافة إلى زيارة المحامي للدفاع عنهم سواء في السجن أو في المحكمة، ولا شك أن هذه صورة غيرت لدى كثير من المتهمين مفهوماً خاطئاً أن المحامي قد تزاول عليه ضغوط ما أثناء ترافعه ودفاعه عنهم، وأنا أقولها - شهادة لله - أني كمحام ليس عليّ أي ضغوط من أي جهة كانت، وأني أزاول مهنتي بالدفاع عن هؤلاء بكل أريحية وصدقية واستقلالية تامة، بل بدعم كبير من الجهات المعنية. ثقافة الحقوقية * ألا ترى أن غياب الثقافة الحقوقية وعدم معرفة كثير بالأنظمة أحد أسباب إطالة إجراءات التقاضي، حيث نلحظ في كثير من الأحيان على سبيل المثال حضور المتهم للمحكمة من دون إجابة أو لا يزال يسأل عن الإجراءات أو يطلب محامياً رغم منحه فرصة كافية لإعداد إجابته، وهذا ما يطيل جلسات محاكمته؟ - هذ اليس ذنب المتهم؛ ففي الدول المتحضرة حينما يتم القبض على المتهم يتم شرح جميع الحقوق القانونية والشرعية التي سنها النظام له، ويمنح تصوراً كاملاً عن حقوقه، خاصة تمكينه من محام للدفاع عنه منذ أول يوم يتم القبض عليه فيه، وهذا ما نطالب به كحقوقيين ورجال قانون؛ أن يمنح المتهم فرصة الدفاع عنه منذ أول يوم يتم القبض عليه فيه، وليس عند وصول القضية للمحكمة، وقد نص نظام الإجراءات الجزائية على ذلك ودور المحامي المهم والأكبر في تحقيق العدالة يبدأ من هذه النقطة الحساسة، والقاضي ناظر أي قضية يكون سعيداً إذا ما حضر مع المتهم محاميه؛ لأن ذلك يسهل على القاضي سرعة الإنجاز وعلى المتهم سرعة المحاكمة، وهذا نراه في المحكمة الجزائية، حيث ينصح القضاة دائماً كل متهم بتوكيل محام للدفاع عنه وأن له الحق في ذلك، وأنه سيُمكّن من محاميه على الفور إن رغب في ذلك؛ لكون المحامي سيقوم بتقديم جواب قانوني وشرعي من دون تشتيت أو حشو كلام لا طائلة منه يطيل أمد القضية، فالجواب يجب أن يكون ملاقيا للدعوى وليس الخوض في أمور بعيدة عن مجريات القضية. ضبط المذكرة الدفاعية * تشيرون في إجابات موكليكم على التهم المنسوبة إليهم إلى كثير من الملاحظات في ملف وسير القضية لقاضي المحكمة وتطلبون ضبطها.. والسؤال: كيف ترون تجاوب القضاة مع ذلك؟، وهل تضبط هذه الملاحظات كاملة في ملف كل قضية؟ - هذا سؤال مهم، فمن خلال ترافعي في هذه المحكمة وجدت تعاون منقطع النظيرمن القضاة في هذه الجزئية المهمة، فالقاضي يقرأ الجواب مهما كان طوله، ولا يمانع القاضي من ضبط أي مذكرة دفاعية خاصة في ظل سهولة ذلك جراء ما تتمتع به المحكمة من وسائل الكترونية وطاقم موظفين جندوا بمهنية عالية لمثل هذه الأعمال، ولم يطلب مني أي قاض الاختصار أو حذف أي كلمة من لوائح الدفاع. طلب الاستئناف * هل سبق أن طعنتم في حكم صدر أو طلبتم الاستئناف في القضايا التي تنظرها الآن؟ - نعم، وبحمد الله تأتي أحياناً ملاحظات من محكمة الاستئناف تتوافق مع ما اعترضنا عليه من أحكام مع كونها مرضية، إلاّ أننا نعترض عليها إبراء للذمة من أجل تحقيق العدالة في حكم مكتسب القطعية ومصادق عليه من محكمة الاستئناف، ونجد التجاوب من القضاة مع ملاحظات محكمة الاستئناف على الأحكام وتوجيهات قضاة الاستئناف واستكمالها، خاصة فيما يخص تخفيف العقوبة، وهذا رد واضح وصريح على كل مشكك في هذه المحكمة، بل إن القضاة الذين يصدرون أحكاماً يشجعون المتهم أو المحامي على إبداء الاعتراض على الحكم ويرون أن ذلك إبراء لذمتهم وسعياً للوصول إلى الحكم القطعي الذي لاشك في عدالته وصحته، حيث يظن بعض المتهمين أن اعتراضه قد يؤثر سلباً فيه؛ لكونه اعترض على حكم القاضي فيبادر القاضي بطمأنته أن اعتراضه حق شرعي، ويرحب به القاضي بكل سرور لكون الحكم سيدرس من قضاة محكمة الاستئناف الذين هم أكثر خبرة وممارسة للقضاء، وبذلك تبرأ ذمته، وهذه صورة من صور شريعتنا الغراء التي يحق لنا أن نفخر بها ونشيد بتطبيقها. سير المحاكمات * يخفى على بعض أسر المتهمين آلية سير المحاكمات في هذه القضايا وقد يجهلون الضمانات التي يوفرها القضاء لدينا بنزاهة وحيادية تامة، ولا أدل على ذلك من تكفل "العدل" بأتعاب المحامي لمن يرغب محام ولا يستطيع دفع أتعابه.. والسؤال: ما دوركم في إيضاح هذه الضمانات و"طمأنة" ذوي المعتقلين بحقوق أبنائهم؟ - هذه المحكمة بدأت المحاكمات بشكل عاجل وبمهنية عالية وشفافية مطلقة، فحينما أقوم بإيضاح ما يحصل لي كمحامٍ من تعاون وما أراه في المحكمة من إجراءات رائعة، عندها تجد ذوي الموقوفين يستبشرون، وكثيراً من المتهمين يظن أن التأخير من المحكمة أو من المحامي، ويجهلون أن كثيراً منهم يترددون في الجواب ويحضرون للمحكمة من غير جواب على التهم أو توكيل محام للدفاع عنهم؛ ما يضطر القاضي منحهم المهلة الكافية لتقديم جوابهم أو اتخاذ قرار توكيل محام للدفاع عنهم، كما أن بعض المتهمين بيوم جلسته لا يحضر لظروف صحية أو نفسية أو ربما ظروف شخصية كموعد اختبارات دراسته أو يوم زيارة ذويه فيحجم عن الحضور للمحكمة لهذه الظروف؛ فتتأخر جلسته، كما أن المحكمة فيها قضايا كثيرة ويجب أن تعطي الدور لكل قضية ولكل المتهمين فيها، مع أن مواعيد الجلسات متقاربة جداً وإنجاز القضاة سريع، حيث لا تتجاوز بعض القضايا الجلسة الواحدة وبعضها ثلاث جلسات أو أربع فقط، غير أن بعضها فيها متهمون كثر كقضية خلية الدندني فيها 85 متهماً وأخرى فيها 45 و30 وهكذا، ولا يتأتى للقاضي الحكم على البعض من دون سماع جواب البعض الآخر، وتأخر متهم أو أكثر عن الجواب يعطل الكل، حيث إن النظام لا يصح فيه فرز القضية كأشخاص متهمين في قضية واحدة وذات علاقة بعضها ببعض؛ ما يمنع صدور حكم على البعض وإهمال البعض الآخر، حيث يلزم اكتمال سماع الإجابات من المتهمين جميعاً وهذا ما يعطل بعض القضايا الكبيرة، حيث لا يتأتى أن يحكم على شخص ولم يسمع جواب شخص آخر قد يكون في جوابه أثر على مجريات الحكم على أحد المتهمين، لذلك يجب فهم هذه الصورة وتحمل تبعاتها، وتفهم أن المحكمة والقاضي والمحامي هم جميعاً في خدمة المتهم. إخفاء التهم عن الأهل! * في لقاءاتك المتعددة بالمتهمين وبأسرهم التي أشرت أنها قد تمتد لساعات متأخرة من الليل.. ما أبرز الملاحظات التي رصدتها في هذا النوع من القضايا تحديداً؟ - كثير من المتهمين يخفون عن ذويهم حقيقة التهم الموجهة إليهم إما من أجل الحفاظ على مشاعر أهليهم أو لكونهم يرونها تهماً غير صحيحة، وهذا لاشك يعود على ذويهم بإيجابية الحفاظ على نفسياتهم وبسلبية في الوقت نفسه؛ وهي شعورهم أن إيقاف ابنهم هو إيقاف غير مبرر وغير مقنع؛ لكونهم يجهلون حقيقة التهم الموجهة ضده والعقوبة المطلوبة في حقه، وفي الحالتين لا يلام المتهم فهو في حيرة من أمره، وأنا مع الشفافية في هذا الأمر أن يضع المحامي والمتهم ذويه في صورة واضحة أو على الأقل أن يضع من يظن فيهم الصبر والفهم من ذويه، وبعض المتهمين يطلب مني أن لا أخبر ذويه بحقيقة التهم الموجهة إليه وأحترم رأيه، وملزم بقبوله بكل أمانة، وآخرون ليس لديهم مانع من تواصلي مع ذويهم بكل شفافية ومهنية. ومن القصص التي مرت علي في هذا المجال قصص لسجناء رائعون أكملوا دراسة الجامعة في السجن ومنهم من واصل الدراسات العليا في السجن، والجميل أن الحياة تستمر؛ فكثير من هؤلاء الموقوفين ممن تزوجوا وهم في السجن وآخرين بعد سجنهم أنجبوا في صورة تعاطف وتعاون الجهات المعنية في منح هؤلاء حقوقهم الشرعية القانونية أياً كانت تهمهم، ولعل ما رصدته في قضايا كثير من الموقوفين هو أنهم وقعوا فيما وقعوا فيه بحسن نية وطيب مقصد وأوقعتهم قدرة الله في مواطن الشبه، وقاموا بأعمال ظنوا أن بعضها من منطلق خدمة الغير والسعي لهم بالخير؛ فإذا هم يجدون أنفسهم في مأزق، وأدت مثل هذه الأعمال إلى ما حصل في البلاد من محاولة للإخلال بالأمن، وكان على الدولة أن تتخذ الإجراءات لحفظ الأمن واستتبابه، ولا يعذر أحد بحسن نيته؛ لأن النوايا محلها القلب وليس للجهات الأمنية الاطلاع على قلوب الخلق، وعندها يمثل الجميع أمام القضاء العادل فالكل سيأخذ حكمه الشرعي. إصرار المتهم على الخطأ * لكلٍّ محامٍ أو غيره قيم ومبادئ لا يمكن التنازل عنها مهما اختلفت المواقف أو طبيعة العمل، ففي حال ثبت لديك عدم توبة المتهم وانحراف فكره وتماديه في الضلال هل تكمل معه مهمة الدفاع عنه أم تنسحب.. وكم الذين انسحبت أو اعتذرت عن الدفاع عنهم؟ - لاشك أن الناحية المادية في مهنة المحاماة في نظر المحامي المخلص لدينه ووطنه تشكل آخر الاهتمامات؛ كون أي قضية يترافع فيها هي بمثابة الأمانة في عنقه إما له وإما عليه، ولاشك في عظم نهي الله عز وجل في قوله: (ولا تكن للخائنين خصيماً) أمر جلل يجب أن يستوقف كل محام يترافع في أي قضية كانت، خاصة أن مثل هذه القضايا حساسة جداً ومست الخاصة والعامة وهددت أمن البلاد والعباد، ودور المحامي ليس هدفه تحقيق البراءة بقدر تحقيق العقوبة العادلة في حق موكله من دون إجحاف أو مبالغة، حيث إنه سيمثل أمام الله ويسأل عما قام به، وحقيقة المحامي لا يطلب من موكله أن يقر بالتهم الموجهة إليه أو أن يكرهه على قول الحقيقة بقدر ما يطلب ندم موكله وتوبته وشعوره بالخطأ، فكل ابن آدم خطاء، ووجب نصرة الظالم أن نأخذ على يده كي نردعه عن ظلمه، غير أن بعض المتهمين، وهم قلة، يصرون على أنهم لم يخطئوا وأنهم على قناعة بما قاموا به، وهذا غالباً يحصل في القضايا التي تتعلق بالفكر، فأحد المتهمين الذين زرتهم في السجن قال لي إنني آثم بدخولي هذه المحكمة ودفاعي عن هؤلاء المتهمين؛ لكون ما يجري محاكمة لمن وصفهم بالمجاهدين، وسألته عن شهادته العلمية فلم يجب ورجعت لأوراق الدعوى فوجدته يحمل الشهادة المتوسطة ونصحته وحاولت توجيهه، إلاّ أنه التزم الصمت وقال لي الزيارة انتهت، وآخر كان يدين البيعة لأجندة خارجية مارقة فطلبت منه أن أبدي في لائحة الدفاع توبته ورجوعه عن ذلك وندمه فأجابني غاضباً لو كنت أريد أبداء التوبة لأبديتها منذ أول يوم قبض علي فيه وأطلق سراحي، وآخرين يظنون أنهم لم يخطئوا ورفضوا إبداء الاعتذار لولاة الأمر وللقضاء والرجوع عن فكرهم وهم قلة، ولا يشكلون إلاّ نسبة ضئيلة من المتهمين، وأمثال هؤلاء اعتذرت عن الدفاع عنهم في قضايا لا تجاوز الأربع غير أن جميع من ترافعت عنهم في قضايا كثيرة أجد منهم التعاون المطلق وندمهم وتوبتهم. الإعجاب الدولي بالمناصحة * عضويتكم في اتحاد المحامين العرب - وهي منظمة دولية تعنى بشؤون المحاماة والقانون دولياً - هل تستلزم منكم رفع تقارير أو معلومات عن وضع المحاماة لدينا أو عن سير القضايا التي تنظرون فيها؟ - عضوية الاتحاد الدولي للمحامين العرب هي عضوية لنصرة قضايا المسلمين وعلى وجه الخصوص القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية وحقوق الإنسان، وما يصب في الصالح العام للشعوب العربية، والاتحاد لا يتدخل في قضاء أي دولة أو شؤونها الداخلية، وهذا ما نص عليها ميثاق هذا الاتحاد، وأن جل ما يمكن تقديمه للدول هو النصح القانوني لتطوير الأنظمة والقوانين بما يتناسب مع تقدم العالم وحضارته، ونناقش في اجتماعات الاتحاد صور الإيجاب والتطور الذي تشهده الدول، وكان مما أثير في أحد الاجتماعات هو برنامج الأمير محمد بن نايف للمناصحة وبرنامج الخلوة الشرعية للسجناء؛ ما أثار إعجاب الحضور حتى قال أحدهم مبتسماً (خذوني سجيناً عندكم)، ولا شك أن نقل أي صورة لدولة في أي اجتماع دولي يجب أن تكون صورة تحدث أثراً إيجابياً، واتحاد المحامين العرب يطلب تزويده بالتجارب الإيجابية ويعلم أن ثمة أموراً سلبية لا تسلم منها أي دولة في العالم مهما ادعت العدالة والمحامي في مثل هذه المنظمات الدولية يجب أن يكون ممثلاً لبلاده كسفير ومواطن ينقل الصورة المشرقة، من خلال ما يحظى به من دعم من بلاده في مجال مهنته. المحامي يوسف العرفج