بعد أن دفع التلفزيون السعودي العام الماضي أكثر من مائة مليون ريال للأعمال التي عرضها في شهر رمضان, يبدو أنه في طريقه لتقنين التعاميد التي تقدم للمنتِج السعودي من خلال تفعيل وزارة الثقافة والإعلام للجنة تقييم البرامج والتي تضم عدداً من المسؤولين بالشؤون المالية بالإضافة إلى وكيل الوزارة لشؤون التلفزيون ومدير الرقابة. وهذا القرار جاء فيما يبدو بعد صرف مبالغ كبيرة على أعمال لم ترتق لذوق المشاهد المحلي وتدور كلها في فلك الأعمال الارتجالية والكوميدية السمجة. ومع ذلك ما زال المنتج والممثل السعودي يعتقدان بأن التلفزيون السعودي لابد أن يكون جمعية خيرية أو ضماناً اجتماعياً لابد أن يدفع لهم سنوياً مبالغ طائلة مقابل أعمال سيئة لا ترتقي إلى الحد الأدنى من الجودة المطلوبة. وأكاد أجزم بأن الممثل/المنتج السعودي يعي تماماً أن عمله السيئ يحصل من التلفزيون السعودي على أضعاف المبلغ الذي كان سيحصل عليه من القنوات الفضائية الخاصة. إن تفعيل عمل لجنة تقييم الأعمال التلفزيونية لشهر رمضان جاء لكبح جماح العروض المبالغ فيها للمنتجين والتي عادة ما تكون بالملايين لأعمال وبرامج لا تتجاوز قيمة إنتاجها مئات الآلاف. هل يعقل أن يطلب منتج سعودي مبلغ مائة ألف ريال نظير إنتاجه لحلقة من برامج حواري لا يوجد فيه غير مذيع وضيف وبينهما طاولة ويتحدثان طيلة الوقت؟. هذا ما يطلبه بالفعل بعض المنتجين السعوديين ولو تقدموا لقنوات خاصة لما تجرأوا على أن يطلبوا أكثر من عشرة آلاف ريال لحلقة كهذه لكن لأنهم يعتبرون التلفزيون السعودي جمعية خيرية فلابد من المبالغة في الأسعار. للأسف الشديد لقد تعوّد المنتج السعودي على أن يبيع أعماله على التلفزيون دون أدنى مساءلة عن الجودة, وقد حان وقت المحاسبة. أنا أعي أن الممثل السعودي وهو المنتج غالباً لن يرضى بما تقدمه اللجنة من سعر منطقي عادل لعمله الذي قدمه, وسيتهم اللجنة بعدم التخصص وبالإجحاف لأنها لم تمنحه المبلغ الذي يطمح له, ولو قيل له إن المبلغ الكبير الذي تطلبه يفوق بكثير ميزانية أعمال شهيرة مثل "باب الحارة" و"الملك فاروق" لقال لك بلا تردد: إن هذا تلفزيون بلدي ولابد أن يدعمني بكل ما أطلبه. أما نحن فسنقول له: متى ما قدمت أيها المنتج السعودي عملاً مميزاً بفكرته وأسلوبه فيحق لك أن تتدلل أما وأنت تصنع أعمالاً سيئة فلابد أن يضع لك التلفزيون حداً احتراماً لمشاهديه. بقي أن أقول إن اللجنة التي تعيد تقييم الأعمال التلفزيونية والتي أعرف جميع أعضائها معرفة تامة هم من الدراية والتمكن والحرص على أن يكون التلفزيون السعودي مكاناً للأعمال المتميزة وليس بنكاً خيرياً يصرف على مجموعة من الممثلين وأصدقائهم.