لم يتوقع الفتى أن سمرة وجهه التي تعكس هموم الإنسان البسيط ستكون جواز عبوره نحو النجومية ، ولا أنها ستربطه بواحد من أهم نجوم التمثيل في مصر والعالم العربي ، لكنها كانت ، حيث ظهر فتى أسمر يحمل اسم عبد الله محمود عام 74 في دور صغير بمسلسل (البوسطجي) المأخوذ عن قصة يحيى حقي ليجد نفسه منطلقا في سماء الفن ويشبهه البعض بالنجم أحمد زكي ، وهكذا كانت البداية وهكذا كان الارتباط بين نجم له تاريخ وشاب في مستهل الطريق ، إلي أن اختاره زكي ليلعب دور الشقيق الأصغر له في فيلم (الإمبراطور) للمخرج طارق العريان وكان اللقاء مثمرا حيث لمع اسم الفتى الصغير بجوار اسم النجم الكبير ، إلى أن جاء المرض يوما ليكون الأكثر قدرة على الجمع بينهما ، فيرقد أحمد زكي على فراش المرض فجأة بسبب السرطان ، ويتبعه عبد الله فجأة أيضا ويرقد على الفراش ، كل منهما في مستشفى ، الأول في دار الفؤاد والثاني بمعهد ناصر ، وكلاهما يستقبل مكالمة هاتفية من رئيس الجمهورية للاطمئنان ويتم توفير الرعاية لهما ، وكلاهما وقع فريسة للمرض في لحظة تحقيق حلم طال انتظاره ، أحمد زكي كان يعد لفيلم (حليم) الذي يعتبره الأمل الأخير له ، وعبد الله محمود يعود بعد غياب للبطولة السينمائية وينتج بكل ما يملك فيلمه الحلم (واحد كابتشينو) وكلاهما يرحل قبل أن يري الحلم حقيقة ! في لحظة من لحظات الاسترخاء التي يهدأ فيها المرض ويخف من ألمه قليلا أمسك النجم احمد زكي بتليفونه المحمول بعد أن طلبه من ابنه هيثم الذي كان يلازمه في المستشفى ، وكتب زكي رسالة قصيرة وضغط على كلمة إرسال موجها إياها إلي عبد الله محمود ، ليستقبلها الثاني وهو في نفس لحظة الاسترخاء ويقرأ ما بها من كلمات تؤكد أنهما رفيقا ملامح ومصير ! يبكي الفتى الشاب متأثرا بالرسالة ، ويستغل أول فرصة يمكن أن يتغلب فيها على آلامه ويرتدي ملابسه مقررا أن يضرب بكل أوامر الأطباء عرض الحائط ويطلب من زوجته أن ترافقه إلى مستشفى دار الفؤاد فقد قرر أن يرى أحمد زكي ، ولكن كان زكي في الغيبوبة ولم يستطع عبد الله أن يراه ترك له كلمة واحدة (ربنا يشفيك يا أستاذ) وعاد إلى فراشه بالمستشفى من جديد ليستقبل بعدها خبر وفاة أحمد زكي وينهار الفتى الأسمر ،ويشعر باقتراب لحظة الرحيل ، فيكتب وصيته وأهم ما جاء بها عرض فيلمه في الموسم الصيفي حيث طلب من الموزعة إسعاد يونس أن تلبي له هذا الطلب لكن السوق لا يعرف العواطف ، ورحل عبد الله محمود في شهر (الحزن) يونية بعد أن أبدع في كثير من الأعمال سواء على مستوى السينما أو التليفزيون ويكفي أنه الوحيد من ضمن أبناء جيله الذي استطاع أن يتحمل مسؤولية بطولة تليفزيونية مطلقة أمام نجوم في حجم محمود مرسي (عصفور النار) ، عفاف شعيب (الماضي يأتي غدا) ، فردوس عبد الحميد (طالع النخل) ، عبد الله غيث (ذئاب الجبل) وفي السينما أمام عمر الشريف (المواطن مصري) ، أحمد زكي (الإمبراطور) عادل إمام (حنفي الأبهة) ، عزت العلايلي (الطوق والإسورة) ونور الشريف (سواق الأتوبيس) ومع يوسف شاهين في (إسكندرية ليه ، حدوته مصرية ، المصير) ، رحل عبد الله محمود دون أن يرى فيلمه الأخير وقبل أن يتم الخمسين عاما بسنة !