نفاق دولي، عجز عربي، بطش هستيري داخلي، هذه مجموعة الصور التي نراها كل لحظة في سوريا، ولم يعد القتل بالعشرات بل بالمئات، ولا يعلم أحدكم عدد السجناء ومَنْ تعرضوا للتصفية ومَنْ يعيشون في أقبية السجون في الطريق إلى الموت، ومجلس الأمن خارج دائرة ما يجري لأن سوريا تحولت إلى ميدان تصفية حسابات مابين شرق روسي- صيني، وأمريكي - أوروبي غربي فقد أخرجت الأزمة الملفات السرية بين الطرفين إلى العلن، ومحاولة روسيا تجميل صورتها مع العرب ما هي إلا هدنة معهم تطلق يد السلطة هناك باستعمال أسلوب المجازر والإبادة.. عنان يركض بين دمشق وعواصم عربية ودولية، ومساعيه أيضاً ليست إلا تبريداً لموقف المعارضة، وطرحها على نفس المسئولية مع السلطة، وإذا كان شخصاً يملك خبرة في ادارة الأزمات فالنظام السوري لديه القدرة على المناورة، لأنه حكم لم يسمع للعرب، ولا من يهدده من جيرانه معتمداً على مد عسكري ومادي من ثلاث دول ترتبط به مصلحياً واستراتيجياً، لا يجعل أنان قادراً على خلق فرص سلام، أو قبول بإصلاحات أساسية ضمن نطاق يحمي الشعب من الإبادة المنهجية.. الحكم يملك القوة، وسيستمر بأسلوب القتل، لكنه لا يستطيع أن يعود مسيطراً على بلد تضاعف فيه عدد الضحايا وتحدى القوة بالتظاهر علناً، ودعنا نقول إن الآلة العسكرية وتشكيلها من الضباط والجنود وجميع الأسلحة تصل إلى ثلاثمائة ألف عنصر، هذا العدد لو ضاعفناه خمس مرات لا يمكنه السيطرة على مدن وقرى، وشعب ذهب إلى أقصى التضحيات، وبالتالي فعامل الزمن هو الحكم، والمرعب لبشار الأسد وحكومته.. السلطة تروج للقاعدة، والإسلاميين، والبديل عنها حرب أهلية طائفية، وأن أمن إسرائيل معرض للخطر، وكذلك لبنان والعراق والأردن، وتصف نفسها بالضمانة المطلقة بينما ظلت أحد أهم مرتكزات الطائفية التي هي أحد أسباب الانتفاضة الشعبية، ولم يكن هذا الحلم في تاريخه قادراً أن يسير مع حركة التغيير في المنطقة وخارجها، وهي بأفعالها الباطشة تستعيد نهايات القذافي الذي صار النموذج للزعيم الذي مزق جسده شعبه.. نعرف أن الدول الخارجية لا تتعامل مع كوارث الحروب والبطش بالعواطف وما تروج له من حقوق إنسان لم تمنع مجازر (التوتسي والهوتو) التي راح ضحيتها الآلاف ولم تعط أي اهتمام لما يجري في الصومال، وسوريا تدخل هذه السلسلة، أي أنها لا تؤثر على أمنها وتبقى معالجة القضية تأتي حسب ما تسمح به الظروف.. صحيح أن روسيا انتهت من انتخابات جديدة سيطر عليها بوتن، وهو شخص لديه طموح رفع مستوى بلده إلى القوى العظمى، والهاجس لم يولد اليوم، وإنما مع بدايات حكمه وقد تكون عائدات النفط الكبيرة أحد مرتكزات سياسته، بينما أمريكا على موعد مع انتخابات وسط ظروف مالية حادة، وقضايا سياسية وأمنية ساخنة مثل المناكفات مع إيران.. في هذه الأجواء ستترك سوريا لشأنها، وينصب الاهتمام على لغة الدبلوماسية المائعة، أو إرسال مندوبين، وفي أقصى الأمور اتفاق بين طرفي النزاع في مجلس الأمن على ترضيات لا تصل إلى الحسم لكنها تسوية تجعل المواقف بلا حلول..