أذكر لحظة مميزة عشتها أثناء زيارة معالي عمدة مدينة لندن ، السيد ديفيد ووتن، إلى الرياض في نهاية شهر فبراير. وقد كانت تلك الزيارة جزءا من رحلة قام بها في أرجاء المملكة العربية السعودية تضمنت جدة والمنطقة الشرقية أيضا. وكانت هذه اللحظة أثناء زيارتنا لموقع البناء الخاص بمدينة الملك عبد الله المالية. فلقد استشعرت السحر في عبق التاريخ الذي غمر الأجواء – إذ كان يقف أمامي عمدة يمثل أكبر مركز مالي رائد بالعالم، مؤسسة تعود بالزمن إلى عام 1189 (584 ه) حين تم تعيين أول عمدة لمدينة لندن. وها هو ذا الآن يقوم بزيارة مركز مالي آخر في مستهل الطريق أمام مستقبل مشرق. اليوم يلتقي الماضي بالحاضر ليطرحا فرصا عديدة للتعاون والشراكات المتبادلة. وقد طرح بعض الأشخاص ، قبل وبعد زيارة العمدة ، أسئلة عن طبيعة عمله وماهية المهام التي تقع على عاتقه. إلا أن سؤالهم الفعلي هو عن الفرق بين طبيعة عمله وعمل محافظ مدينة لندن الكبرى السيد بوريس جوهانسون. والإجابة عن هذا السؤال ببساطة هي أن السيد بوريس جوهانسون مسؤول عن مدينة لندن بأكملها، بما في ذلك قطارات الأنفاق والحافلات على سبيل المثال. بينما يدير السيد ديفيد ووتن ميلا مربعا واحدا ، أي مدينة لندن القديمة التي تبلغ من القدم ما يزيد على 800 عام، والتي تعد اليوم سلطة محلية حديثة فيما يخص تقديم الخدمات في تلك المنطقة الصغيرة. وعلى مدى قرون مضت، كان دور العمدة هو تمثيل الأعمال و تطويرها وكذلك تمثيل شعب مدينة لندن. و اليوم تجد أن هذه الأعمال تنحصر في قطاع الخدمات المهنية و المالية. إن معالي العمدة هو بالفعل بطل في مضمار القطاع المالي في بريطانيا. ولكن لا تحتاروا في التاريخ أو الألقاب القديمة مثل "ألدرمان" أو "شريف" أو التقاليد الغنية في المآدب و العروض التي يقيمها العمدة. تعد مدينة لندن من المدن الرائدة في توفير الخدمات المالية لمجتمع الأعمال الدولي من خلال خبراتها المكتسبة على مر الزمان والتي تمكنت من المحافظة على حداثتها. وبالرغم من كافة التقلبات التي يشهدها السوق المالي اليوم و المشاكل المحيطة بمنطقة اليورو، إلا ان لندن تعتزم الحفاظ على مكانتها الدائمة في القمة. تستضيف المدينة 300 بنك تقريبا والعديد من المؤسسات المالية – أكثر من أي دولة أخرى – و إنها تعد الرائدة في سوق التأمين الدولي. كما حققت نجاحا باهرا في تحقيق ذاتها كعاصمة مالية، حتى ان اسم " City" (المدينة ) بات يمثل قطاع الخدمات المالية في المملكة المتحدة. كما ترأس المدينة المركز الغربي للتمويل الإسلامي ، إذ تضم خمس مؤسسات مالية تتوافق مع تعاليم الشريعة الإسلامية وما يزيد على 20 بنكا يقدم خدمات تمويل إسلامي. كما سر معاليه بمدى تقدير رجال الأعمال السعوديين، الذين اجتمع معهم أثناء زيارته، لهذه الخدمات. ويعد مشروع مدينة الملك عبد الله المالية من أحد أكبر مشاريع البنية التحتية التي يتم العمل حاليا على تطويرها في الرياض. وعقب انتهاء المشروع سوف تضم المدينة هيئة السوق المالية، و السوق المالية السعودية "تداول" ، و المقر الرئيسي للعديد من البنوك و متعهدي الخدمات المالية، و أكاديمية تدريب مالية جديدة. ولقد أعجب العمدة بما اطلع عليه من جهود البناء الجبارة التي تم التخطيط لها بدقة متناهية، وكذلك ما اتسم به الأشخاص الذين أطلعوه على المكان من طموح و التزام و رؤية لهذا المشروع. إذ يعمل ما يزيد على 30.000 عامل في موقع البناء الذي يتضمن 40 بناء شاهقا في منطقة تبلغ مساحتها 7 كيلومترات مربعة. وإنه من الواضح أن هذا الحي المالي الجديد سوف يلعب دورا قياديا ليس في المنطقة فحسب بل بالمجتمع المالي الدولي أجمع. أعلم أن معالي العمدة يتطلع كثيرا إلى عمل مدينة لندن بالشراكة مع الحي المالي الجديد في الرياض. وبالفعل فقد رأى العمدة مدى الشراكة القائمة حاليا بأم عينه، إذ قد شارك العديد من المصممين والمخططين و المهندسين البريطانيين في هذا الحي المالي الجديد. وسوف تفخر المملكة العربية السعودية بلحظة افتتاح المرحلة الأولى من هذا الحي المالي في شهر نوفمبر. وبصفتهما مركزين ماليين رئيسيين، تتطلع مدينة لندن إلى العمل مع هذا القادم الجديد للسعي بجهد نحو تلبية احتياجات مجتمع الأعمال البريطاني والسعودي و الدولي، وبذلك خلق المزيد من الوظائف و الثروات لتأمين مستقبل باهر للجميع، وتعزيز روابط الأعمال بين المملكتين. * السفير البريطاني لدى المملكة