المبادرة إلى العمل الإيجابي سلوك حضاري وممارسة ثقافية متقدمة وفكر متفتح للإنجاز وهذا أمر نلاحظه في شتى مناحي الحياة وفي مختلف الأزمنة والأمكنة ، وفي مجال الآداب الشعبية والموروث الثقافي نجد مشاريع رائدة وتنظيمات جبارة بدأت بمبادرات شخصية ربما كانت في بدايتها أشبه بالمغامرات التي لا يعلم مدى نجاحها ولعل أبرز هذه المبادرات(مهرجان الجنادرية) هذا المهرجان الوطني العملاق الذي ولد بمبادرة شخصية من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز منذ أكثر من ربع قرن، ومهرجان (أم رقيبة) لمزاين الإبل انطلق بمبادرة شخصية من صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالعزيز آل سعود رئيس هيئة البيعة، ومهرجان (المغترة) لشعراء المحاورة بدأ بمبادرة شخصية من صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز أمير منطقة عسير، وفي هذا النطاق أيضاً نجد أن برنامج (شاعر المليون) دشن بمبادرة شخصية من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، هذه المبادرات الشخصية كانت هي البوابة التي ولجت من خلالها هذه المشاريع إلى عالم النجاح والتميز لتكتسب بعد ذلك صفة الرسمية والاستمرار. حديثي عن هذه المبادرات لخدمة الآداب الشعبية والموروث الثقافي دافعه عندما دلفت قبل أيام إلى إحدى المكتبات التجارية في مدينة الرياض فوجدت على رفوفها مجموعة من الدواوين الشعرية المتجاورة ذات الأسماء اللافتة والأغلفة الجذابة والطباعة الفاخرة والإخراج المتميز وهي : (ديوان العرب) للشاعر السعودي سعد بن جدلان الأكلبي، و(أنغام الخلود) للشاعرة الإماراتية هند الظاهري، و(رايات) للشاعر السعودي علي بن حمري، و(ميثاق) للشاعر الإماراتي سيف السعدي، و(أسرار) للشاعر الإماراتي (محمد المر بالعبد)، و(حبات رمان على ثلج) للشاعر السعودي مساعد الرشيدي، و(قصائد ناصر السبيعي) للشاعر الكويتي ناصر السبيعي؛ سبعة دواوين تصفحتها فوجدتها جميعاً تأتي ضمن (مبادرة حمدان بن محمد للإبداع الأدبي)،وهذه المبادرة الأدبية أطلقها الشيخ حمدان بن محمد بن راشد ال مكتوم ولي عهد دبي قبل حوالي العام لطباعة دواوين 100 شاعر شعبي وتعتبر هذه المجموعة هي الأولى من هذه الدواوين والتي يعتزم في المرحلة الثانية من المبادرة إصدار دواوين مسموعة أيضاً ، والحقيقة أن هذه المبادرة سيكون لها أثر بالغ في توثيق تجارب الشعر الشعبي في الخليج العربي مما يساعد الباحثين في دراسة هذا الشعر والاطلاع على مراحل تطوره التاريخي في زمن أصبح فيه الكتاب مهملاً في ظل الطفرة التقنية التي يعيشها العالم، وفيها دعم لافت للشعراء حيث إنه لم يكتف في هذه المبادرة بطباعة ديوان الشاعر بل يتم منحه مكافأة مالية عالية تشجيعاً له وتقديراً لإنتاجه، وأرى أن الشاعر الذي يقع عليه الاختيار في هذه المبادرة هو شاعر (محظوظ) في كل الأحوال، وما زلنا ننتظر دواوين بقية الشعراء الذين يصل عددهم إلى 93 شاعراً، وأتصور أن هذه المبادرة ستتطور إلى مشروع أدبي كبير يبدأ من مكتبة تضم 100 ديوان لم يسبق نشرها، ولا شك لدي أن مثل هذه المبادرات هي مبادرات خلّاقة لدعم الإبداع عموماً والأدب الشعبي خصوصاً وتستحق الاحتفاء بها والكتابة عنها.