لا أعتقد أن أحداً منا لم يجرب ، ولم يصطدم بموقف اعتيادي انقلب عليه بطريقة لم يحسب حسابها ، أو لم يستعد جيدا لمواجهتها. فمثلا قد نتحدث مع شخص أو مجموعة أصدقاء ، وأحيانا معارف حديثا عاديا ، وربما هؤلاء تتحدث معهم كل يوم بحكم العمل ، أو بحكم الارتباط العائلي ، ولكن فجأة يتكهرب الجو لسببين ، إما أنه بدرت منك عبارة ، أو حديث أساء إليهم دون أن تقصد الإساءة ، او أنهم أخذوا حديثا عاديا بمفهوم مسيء إليهم وهو لم يكن كذلك ، او أنك تعمدت الإساءة ، والتهكم إما من باب المزاح ، أو رد دين سابق ، وفي كل الأحوال يشتعل الموقف ، وقد لا تجد مخرجا إن كنت حريصا على ذلك الشخص ، او أنك في الأساس لم تتعمد الإساءة أو الإهانة ، وقد تعتبر ذلك انتصارا لاستردادك حقا قديما ، او نجاحك في استفزازه وإشعال ثورته. في كل الأحوال وامام هذا الموقف الذي ارتهنت إليه إما دون قصد أو كنت قاصداً ، ستجد من يثير الغبار عليه إما من الحضور في حضورك ، او من المستمعين في غيابك ، وكثير هم من يسكبون الماء على النار. ربما ستجد أحدهم يقول يا أخي أنت غلطان ، قسوت عليه ، ولا ينبغي ان تقول ذلك ، وآخر ربما يقول (يا اخي انت لا تضبط كلامك ، وأخطات عليه كثيرا) خلاف من سيقول الأسوأ في غيابك ، أما من يريد التهدئة فسيقول (أتصور انكم أصدقاء واهل ولايمكن ان يكون قصد صديقك الإهانة ، أو التجريح ، او التهكم ونحن مجتمع من يهدئ فيه اقل كثيرا ممن يشعل) في مثل هذه المواقف ينقسم من أساء إلى نوعين البعض بسرعة يلجأ إلى عقله إن كان فعلا لم يتعمد ، ويعتذر ويقول إنه لم يقصد ما فكر فيه الآخر ، او اعتقده ، والآخر حتى وإن لم يكن قاصدا الإهانة ، يعاند ويرى أنه لم يخطئ وعلى الاخر ان يفهم ما يفهمه . صديقة لي غضبت من الأخرى لأنها في إطار الحديث قالت لها بمزاح إنها " مغيّبة " وكنت معهما ، وهي كثيرا ما مزحت معها والعكس وكانت الكلمة تذمرا من الاخرى لأسئلة لها تبدو إجاباتها بدهية ، المغيّبة كما اتهمتها الاخرى غضبت وظلت تتذكر ذلك لفترة طويلة باحتجاج شديد ، رغم انها كانت في قمة الأدب عندما احتجت ، لكن الكلمة ظلت مؤلمة جدا لها ، وكلما التقيت معها ، قالت " طبعا انا مغيّبة " ورغم اعتذار الصديقة الأخرى المتكرر إلا انها قررت أن لا تنسى ، حتى ان الكلمة الآن مثار تندر بينهما كلما وجدتها. في موضوع آخر ظلت واحدة تقنع مجموعة من الصديقات بموضوع وفي النهاية صرخت ، كيف لي ان اقنع مجموعة من العوام ، الامر كان مضحكا وكوميديا ولم يُغضب أحداً ، برغم أن هؤلاء العوام مجموعة ممن يفهمن ، ومع ذلك تبادلن الضحكات والرد عليها في نفس الوقت . أحد الأشخاص تقول زوجته إنه قال لها منذ فترة وامام الأبناء وبعض أفراد العائلة إنك تشبهين أمك ، فقلت لها وماذا يغضب في ذلك ؟ كان هو يقصد في نواحي التعامل ، وهو تعامل جيد منها ولم يكن يقصد إهانتها او تجريحها ، لكن كانت الكلمة في موقف متوتر في الأصل ولم تتقبلها كما جاءت وهو ما يعكس أن بعض الكلمات يختلف فهمها من موقف الى آخر حسب مزاج المتلقي والمكان ومن به أيضا. لكن ماذا عن التعليقات الساخرة المتعمدة أحيانا من الآخرين ، وكيف يمكن للمرء ان يصمد أمامها ، ولا يدمر فقط الأشخاص الذين يشنون عليه حربا كلامية؟ الخبيرة جينفر جيمس مؤلفة كتاب (تعلم أنني ما كنت أقول هذا لولا أنني أحبك) تقدم بعض النصائح التي تساعد في الصمود أمام التعليقات الساخرة التي يلجأ إليها البعض للحط من قدرة الآخرين ومنها : - تجريد خصمك من أسلحته حيث إنها أفضل وسيلة لهزيمته ، فإن اشار بتهكم يجب عليك على سبيل المثال أن تقول له: (إنني على اليقين بانك تقصد إهانتي هل هناك سبب يدعوك إلى إيذاء أحاسيسي)؟ - مقاومة الجدل فمثلا عندما يلجأ زوج إلى الحط من قدرة زوجته ، يمكنها الانسحاب حتى يصاب الزوج بالملل ثم ينسحب هو أيضا ويتخلى عن تعليقاته اللاذعة. - تجاهل الخصوم من خلال ردود فعل باردة ثم النظر إلى الخصم بابتسامة ساخرة. - التصرف بانزعاج .. حيث يمكنك رد الصاع صاعين وجعله يعتقد انك متضايق. أخيرا هل بالإمكان التعامل مع كل الاهانات والضغوط والتوتر والكوارث ببرود ودون ردود فعل ، والحياة على الهامش المريح ، هل من الممكن ذلك،أم يحتاج الانسان إلى ان يكون وحيدا ، ليحصل على هذا الأمل ؟ أعتقد بالممارسة تستطيع ان تتخلى عن كثير من ما يمكن ان يؤثر فيك ويدفعك إلى الانفعال والتأثر السريع بمن يحاول إثارتك .