الولايات المتحدةالأمريكية لديها قدرة عجيبة على تصدير مشاكلها للخارج بكل سهولة ودهاء. الجميع يتذكر أن الازمة المالية العالمية بدأت في اكتوبر 2008م كأزمة رهون عقارية امريكية بحتة وسقطت على اثرها أكبر شركات الرهن العقاري وتبع ذلك بفترة وجيزة انهيار بنوك ومصارف مالية امريكية. واستمرت الازمة تخنق الاقتصاد الامريكي لمدة 18 شهرا تقريبا أفلس خلالها اكثر من 1000 بنك ومصرف استثماري وشركات تأمين. خلال تلك الفترة تم تمرير الازمة بدهاء مغلف بالكثير من الخبث الى دول الاتحاد الاوروبي. وبدأت الازمة تتحول من ازمة رهون عقارية امريكية الى ازمة مالية عالمية مركزها الرئيسي دول الاتحاد الاوروبي. وبكل وقاحة اصبحت الولاياتالمتحدةالامريكية بين ليلة وضحاها تطلق التحذير من ان فشل المانيا وفرنسا في ايجاد حل للديون السيادية اليونانية سيؤدي الى ازمة مالية اقتصادية عالمية . هكذا وبكل بساطة أصبحت امريكا هي المدافع الاول عن الاقتصاد العالمي ودول الاتحاد الاوروبي ، خصوصا ألمانيا ، هي المسؤولة عن الازمة الائتمانية العالميه وسبب رئيسي في تدهور ثقة العالم في الرأسمالية الغربية !. من الطبيعي أن تحاول أمريكا حل مشاكلها المالية والاقتصادية بكل الطرق المتاحة الا انها تجاوزت ذلك بشكل غير طبيعي. فكيف لنا ان ننسى أن من قام بتضليل دول الاتحاد الاوروبي وتزوير ميزانيات اليونان هي شركات ومصارف امريكية على رأسها غولدمان ساكس عندما قامت بعمليات مالية معقدة لاخفاء ديونها ودفعها ، اي اليونان، الى التسلل بطريقة مضللة تحت جناح دول اليورو. بينما قامت هي ، اي الحكومة الامريكية ، بضخ أموال وشراء بنوك وشركات تأمين وكذلك شركات تصنيع سيارات أمريكية بالطبع تحت أسم انقاذ الاقتصاد ، وهي في حقيقة الامر تأميم باسم الرأسمالية . الحكومة الامريكية استطاعت بكل مهارة تنفيذ المهمة بنجاح كبير، على الاقل حتى الان ، ونسي العالم ونحن معه أصل المشكلة ، وأصبحت مشاكل الديون السيادية لليونان الشغل الشاغل للعالم . وتمكنت الولاياتالمتحدةالامريكية بهذه الطريقة من توجيه ضربة مؤلمة لدول الاتحاد الاوروبي بشكل عام ولليورو كعملة احتياط دولية بشكل خاص ستمتد آثارها وتداعياتها على كافة دول الاتحاد الاوروبي لفترة ليست بالقصيرة ، وأمريكا تعلم جيدا ان دول الاتحاد الاوروبي حاليا لا تسعى لانقاذ اليونان كبلد بل تسعى في حقيقة الامر لانقاذ اليورو كعملة . ضرب منطقة اليورو بهذه القوة والعنف هو انتهازية امريكية تم تنفيذها باحترافية عالية. والهدف المقبل للحكومة الامريكية سيكون الدول الآسيوية الصاعدة وفي مقدمتها الهند والصين. والحكومة الأمريكية تعلم جيدا ان المهمة لن تكون سهلة الا أنها بالتأكيد ليست مستحيلة .