الجهل بالقانون لا يعفي من العقوبة، كما أنه أيضاً لا يقدّم عذراً لمن تم استغفاله، وفي حياتنا اليومية نصادف الكثير من المواقف التي قد تتحول إلى مشاكل كبيرة لمجرد جهلنا بالقانون، وليس مطلوباً بالطبع أن نتحول إلى موسوعات قانونية تمشي على الأرض، وأن نفهم كل ما له علاقة بالأنظمة والقوانين، ولكن لا بأس من معرفة عامة، ووعي عام يحدد المبادئ الأولى للتعامل الصحيح، مثل الامتناع عن التوقيع على ورقة دون معرفة محتواها، أو الإقدام على معاملة شراء أو بيع أو كفالة دون معرفة نتائجها.. لا تقدم على خطوة في حياتك (قرض، كفالة، شراكة، تجارة، استثمار، بيع، شراء،...) إلاّ وانت عارف «اللي لك أو عليك» "الرياض" عبر هذا التحقيق تناقش موضوع كيف نتعرف على حقوقنا؟، وكيف نمارسها؟، وكيف نحميها؟، دون الخلل بتعاملاتنا وعلاقاتنا، ودون أن نظلم أحدا، أو نسمح لأحد أن يظلمنا. معلم يضرب في البداية، روى "محمد صالح" -طالب ثانوي- قصة حصلت في مدرسته الحكومية، حيث إأن لديهم معلما تعود على الدخول والخروج وفي يده عصا غليظة يهددهم بها دون أن ينفذ تهديده غالباً، وكان يترحم دائماً على أيامه الماضية عندما كان المعلم يكسر عظام طلبته بالعصا؛ ليُربيهم، ويُعلّمهم -على حد قول المعلم-. وقال:"نحن نعرف أن سلوك المعلم ليس تربوياً ولا تسمح به أنظمة المدارس، لكننا لا نعرف النص القانوني ولا نعرف لمن نلجأ إليه"، داعياً إلى معرفة الطلاب لحقوقهم، وأن يتعامل معها المعلمون والطلاب حتى لا يتعدى الآخر على حقوق غيره، ويكون العمل في إطار الاحترام المتبادل. معاناة زوجية "سمر" زوجة شابة تزوجت قبل ستة أشهر وتعرضت خلال تلك الفترة إلى جُملة من الاعتداءات والمعاملة غير الكريمة من زوجها، حتى إنها تعرضت للإجهاض لفرط عنفه معها، وعندما أرادت أن تتخلص منه، طالبها بالمهر الذي دفعه وبما هو فوق المهر، ورضخت لمطالبه من أجل الفكاك منه، ثم اكتشف فيما بعد أن ما وقع بينهما كان طلاقاً وليس مخالعة، ولا يترتب على الطلاق ما يترتب على المخالعة من رد المهر، بل ربما حكمت لها المحكمة بنفقة وكلّفت طليقها بما يحفظ حقوقها، ومن أجل ذلك آلت على نفسها ألاّ تترك مجلساً يجمعها بالنساء إلا وتفتح موضوع حقوق الزوجة في حالات الانفصال حتى تنشر الوعي في محيطها، منوهةً أنها تفعل ذلك لوجه الله، كونها لا تقبل أن تشاهد مظلومة كل ذنبها أنها تجهل بحقوقها المكفولة لها شرعاً ونظاماً. حقوق مكفولة وللفرد حقوق كثيرة ينبغي عليه معرفتها؛ حتى لا يتساهل أمامها مع من لا يراعون حقوق الآخرين، وحقوقه على سبيل المثال في أن يحصل على سلع مناسبة مقابل ما دفعه، وتكون سليمة وصالحة للاستعمال بلا عطب، وفي حالة مخالفة هذا الأمر فمن حقه رفع قضية والحصول على تعويضات تصل أحياناً إلى مبالغ مرتفعة كما يحدث في الخارج، كما أن من حقه ألاّ يتعدى على خصوصيته متلصص أو متنفذ، ومن حقه أن يحصل على علاج مناسب وفي الوقت المناسب. ومن حق الشخص كذلك معرفة سُلطة مديره عليه، وبطبيعة الحال رفض تجاوزها، ومن حقه أيضاً أن يحصل على الخدمات المعلنة دون انتقاص منها، وبالشكل المتوقع مثل الطرق المعبدة، والاتصالات الدائمة، والكهرباء غير المنقطعة، والمياه غير الملوثة، وغير ذلك الكثير، ولكن يظل بينه وبين أن يحصل على هذه الحقوق كاملة أن يعرفها وألاّ يفرط فيها، ولكن كيف؟. مبادئ النظام وأكد "د.علي بن عبدالكريم السويلم" -محام- على أن الشريعة الإسلامية الغرّاء، أمرت بالحفاظ على الضرورات الحياتية للناس ومراعاتها، وهي الدين، والنفس، والعرض، والمال، والنسب، حيث إن هذا الأمور الخمسة لا تستقيم الحياة الكريمة الآمنة إلاّ بها، مبيناً أن هذه المبادئ تمثلت في مواد النظام الأساسي للحكم، إذ نصت المادة الثالثة منه على أن الحكم في المملكة يعتمد على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية، وتعاون أفراد المجتمع على البر والتقوى والتكافل، كما نص النظام على أن هدف التعليم هو غرس العقيدة في النشء وإكسابهم معارف ومهارات وتهيئتهم ليكونوا أعضاءً نافعين في مجتمعهم محبين لوطنهم. وقال إن المادة الثالثة من مواد النظام الأساسي للحكم بينت أن الملكية ورأس المال والعمل هي حقوق خاصة تؤدي وظيفة اجتماعية، وأن الدولة تكفل حرية الملكية الخاصة وحرمتها، ولا ينزع من أحد ملكه إلاّ للمصلحة العامة ومقابل تعويض عادل، إلى جانب أن الدولة تحمي حقوق الإنسان وتكفل حقه في حالة الطوارئ والمرض والعجز والشيخوخة، وتدعم نظام الضمان الاجتماعي وتيسر مجالات العمل لكل قادر، كذلك تسّنُ الأنظمة التي تحمي العامل وصاحب العمل، كما توفر الدولة التعليم العام، وتلتزم بمكافحة الأُمية، وتعتني بالصحة العامة، وتوفر الرعاية الصحية لكل مواطن، وتحافظ على البيئة وحُرمة المساكن، وتُلزم وسائل الإعلام بعدم المس بكرامة الإنسان وحقوقه، كما تمنع الإطلاع على المراسلات أو استماع الاتصالات إلاّ بموجب النظام، ولكل من له شكوى أو مظلمة، الحق في مخاطبة السلطات العامة، والتقاضي مكفول بالتساوي للمواطنين والمقيمين في المملكة. الحقوق والواجبات وأضاف "د.السويلم":"فيما تقدم بيان للحقوق والواجبات التي كفلها النظام الأساسي للحكم للمواطنين والمقيمين على حدٍ سواء، وانطلاقاً من هذه النصوص؛ اعتنت الأنظمة واللوائح والتعليمات ببيان تفاصيل ماهيّة وشروط تلك الحقوق وآلية ممارستها، وكذلك تضمنت تحديد ما هو محظور من أعمال، والجزاءات التي توقع على مرتكبيها بهدف إصلاح المجتمع، وتحقيق الأمن والرفاهية والعيش الكريم للجميع". وأشار إلى أن معرفة هذه الحقوق والواجبات وشروطها ومتطلباتها لا يتأتى إلاّ للمتخصصين في كل مجال منها، مما يتطلب التوعية العامة بها ونشرها من الجهات الرسمية والخاصة والجامعات والمدارس ومؤسسات المجتمع المدني من هيئات ومؤسسات ولجان وجمعيات، من خلال تنظيم المؤتمرات والندوات وحلق النقاش، إلى جانب مساهمة وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة تجاه نشر الثقافة الحقوقية في المجتمع، وبيان ما يجب على كل أفراده من سلوك في البيت والمدرسة وأماكن العمل والشارع، وحثهم على حسن الخلق والتعامل على احترام الأنظمة والتعليمات والمحافظة على المرافق العامة. حقوق طلابية وذكر "د.السويلم" أن للطالب حقوقا يقع بعضها على عاتق الأسرة، وبعضها على المجتمع، وبعضها على المؤسسات التعليمية، وقد تكون الحقوق مشتركة في أهدافها ومسمياتها، إلاّ أن الاختلاف في طريقة الأداء، وأولها هو "التربية الحسنة"، حيث يتوجب تظافر اهتمام الأسرة والمجتمع والمؤسسات التعليمية بكل ما تشمله الرعاية الاجتماعية. وبيّن أن من حق الطالب في التعليم الرعاية الصحية، وفي النفقة وسد حاجاته، وأخذ فرصته التعليمية، وحقه في المساواة والعدالة الاجتماعية، فضلاً عن تنمية قدراته ومواهبه، والحصول على المادة العلمية والمعرفة من خلال المقررات الدراسية، وممارسة الرياضة والمناقشة والاستفسارات، وإبداء الآراء وتقويمها، ومواصلة التعليم، وكذلك له الحق في عدم الإيذاء البدني والنفسي. رعاية طبية ولفت إلى أن للمريض حق الحصول على رعاية كاملة وسليمة، وتزويده بالمعلومات عن نتيجة تشخيصه وآثار المرض السلبية عليه، كما أن من حقه معرفة اسم الطبيب المعالج ومؤهلاته، فضلاً عن حقه في الحصول على العلاج الأفضل لحالته ومعرفة كيفية تناوله، إلى جانب حقه في سرية المعلومات التي تخصه والحصول على تقرير مفصل عن حالته المرضية، وإسعافه في أي منشأة طبية خاصة أو عامة حتى ولو كانت إمكانياته المادية لا تمكنه من العلاج في الحالات الاسعافية، كما أن من حقه رفض إجراء تجارب عليه أو المشاركة في مشروعات بحثية على حالته، وحقه في متابعة حالته بعد خروجه من المنشأة الطبية، والاستفادة من العلاج الطبيعي والعلاجات التأهيلية، والحصول على إجازات مرضية بأجر كامل أو بنصف الأجر حسب ما يقرره نظام العمل. حقوق مستهلك وشدد "د.السويلم" على أن للمستهلك الحق في حمايته من المنتجات والخدمات المغشوشة أو التي تشكل ضرراً على صحته، ومعرفة المعلومات الصحيحة التي تساعده على الاستهلاك السليم، وحرية الاختيار، وفي منع الاحتكار، إلى جانب الأخذ بآرائه فيما يخص السلع والمنتجات، وحقه في توفير احتياجاته الأساسية بأسعار مناسبة، إضافة إلى حقه في المعرفة من خلا التوعية المستمرة، وتعويضه عن الأضرار التي تصيبه نتيجة سوء الخدمات والمنتجات التي استخدمها. حقوق وظيفية وأوضح أن الموظف يساهم في خدمة او مهنة أو حرفة داخل المجتمع، وله حقوق، إما نفسية بأن يعامل معاملة إنسانية دون تهميش أو مضايقة أو اضطهاد، وحقوق اجتماعية من خلال تكوين الصداقات والعلاقات الاجتماعية داخل جهة العمل وخارجها، وحقوق تتمثل في توفير البيئة المناسبة للعمل، فضلا ً عن الحقوق المادية والمعنوية التي حددتها أنظمة العمل واللوائح، والحصول عليها في أوقاتها المحددة، وعدم تشغيله ساعاج تتجاوز ساعات العمل المحددة بالنظام مع منحه فترة راحة للصلاة والطعام. حقوق أبناء وفيما يتعلق بحقوق البنوة قال:"للأبناء على آبائهم حقوق مهمة، وأبرزها حق الرضاعة والحضانة وتربيتهم تربيةً حسنة، والإنفاق عليهم، وحثهم على العبادات والطاعات، وحق التعليم والتوجيه، وحفظ أموالهم، والعدل بينهم، ورعايتهم صحياً واجتماعياً. قلّة وعي ونوّه إلى أن أكثر القضايا الناجمة عن قلّة وعي قانونية نتيجة للتطور الاقتصادي والاجتماعي السريع، أحدث متغيرات بسبب قلّة الوعي القانوني، مما أدى إلى كثرة المنازعات، وخصوصاً في القضايا المالية والعمالية والأسرية والإدارية، وقضايا الرشوة والتزوير والمخدرات والشيكات بدون رصيد. وقال:"بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -وفقه الله-، من خلال مشروع تطوير مرافق القضاء والتوثيق، سوف تتمكن الجهات القضائية من إنجاز الكثر من القضايا المعروضة أمامها بإذن الله"، منادياً أفراد المجتمع تجاه ضرورة اكتسابهم المعرفة والعلم نحو حقوقهم وواجباتهم، حتى يكونوا أقل عرضة في الوقوع بالمخالفات والأخطاء والاستغلال.