إن الدور الديناميكي الجديد الذي تلعبه كل من جامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية كان من أحد التطورات التي أذهلتني مؤخرا. فلقد شهدنا جميعا ، على سبيل المثال، على القيادة الرائدة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية فيما يخص الملف اليمني من خلال اقتراح مخطط لمرحلة انتقالية سياسية نجم عنه الآن مغادرة الرئيس صالح لصنعاء، ونجاح الانتخابات الرئاسية التي جرت في مطلع هذا الأسبوع. وفيما يخص الوضع السوري، فإن موقف جامعة الدول العربية الذي أدان بشدة العنف الذي يمارسه الرئيس بشار الأسد ضد شعبه اعتبر بمثابة معيار واضح للنهج الأخلاقي الذي يتبعه المجتمع الدولي لمعالجة هذه الأزمة. هذا لا يعني أننا نتغاضى عن الصعاب التي واجهت كلتا القضيتين أو النكسات التي اعترضت طريقهما. فإن بعثة المراقبة التي أرسلتها جامعة الدول العربية إلى سوريا ، على سبيل المثال، قد واجهت بعض المشاكل إلا أنها مثلت محاولة شجاعة منهم للتصدي لأزمة معقدة و عسيرة. و بالرغم من هذه الجهود المبذولة سرعان ما أصبح موقف الحكومة السورية تجاه هذه المبادرة واضحا إذ إنها لم تعتزم اعتمادها أو أخذها على محمل الجد. كما لا يعني هذا الأمر أن الطريق قد بات قصيرا أمام هاتين القضيتين. فحتى إن تغاضينا عن المشاكل السياسية الحالية في اليمن سوف يبرز أمامنا التحدي الحقيقي المتمثل في الوضع الاقتصادي - إذ نفدت مصادرها من الماء و البترول، كما إن هناك الخطر الأمني الذي تفرضه القاعدة عليها. إن جميع هذه المشاكل مترابطة. إذ تجد في مثل هذه المجتمعات ، حيث تسقط الدول أو تواجه خطر السقوط، أن الجماعات الإرهابية تستغل غياب القانون والنظام لتنفيذ عملياتها وخدمة مآربها. لذلك فإنه من المهم جدا أن تواصل الدول المجاورة لليمن، وكذلك المجتمع الدولي، العمل معا للمساعدة على تعزيز الحوار السياسي ودعم المرحلة الانتقالية و توفير المساعدة التنموية اللازمة. وعلى الجانب السوري، أعرب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي تم اعتماده يوم 17 فبراير عن مقدار الدعم الدولي في الأممالمتحدة لجهود جامعة الدول العربية بالرغم من فشل مجلس الأمن ، لأسباب باتت معروفة لدى الجميع، في إرسال الإشارات الإيجابية ذاتها في مطلع هذا الشهر. كما أنه ما زالت لا توجد أية مؤشرات على أن الرئيس بشار الأسد سوف يستجيب لنداء شعبه ومطالبه بالعدالة وبمشاركة أكبر في المجتمع وفي تطبيق حقوق الإنسان. إلا أن هذه الأمور لا تسير بيسر وسهولة وغالبا ما تتطلب وقتا طويلا. فعندما أنظر إلى قارتي – أوروبا – أجد أننا قد أضعنا وقتا طويلا في سلسلة من الصراعات الكبرى إلى أن توصلت الدول في القارة إلى قرار العمل معا وليس العمل ضد بعضها. وبالرغم من أن فكرة أن تؤول المشاكل لدينا إلى حرب بين الدول الأوروبية تعد غير واردة، إلا أننا نواجه العديد من المشاكل الاقتصادية و غيرها كما ترون في صفحات الصحف يوميا. أعتقد أن هذه هي سنة الحياة، إذ إننا لا نعيش في عالم مثالي ولكننا نحاول بناءه و بذل المستطاع لتحقيقه طالما حاول القادة تطوير سبل لتجنب الخلافات والصراعات ووضع أنظمة حكم تلبي رغبات الشعوب وطموحاتها مع المحافظة في الوقت ذاته على الاستقرار والتقاليد الجوهرية للبلاد. أعتقد أن قيام المنظمات الإقليمية في الشرق الأوسط باتخاذ المزيد من الأدوار الفعالة يعد أمرا ايجابيا جدا، وأود أن أسلط الضوء على مبادرة السلام العربية كمثال على ذلك. فإن هذه المبادرة التي اعتمدتها جامعة الدول العربية في بيروت عام 2002 كانت بمثابة توضيح هام للدور الذي تلعبه المنظمة في وضع رؤية سليمة يمكن تحقيقها في المنطقة إن كان لدى القادة الإسرائيليين الشجاعة لتقديم التنازلات اللازمة للتوصل إلى حل دولتين فعال، والحكمة لتفهم أن أمنهم سوف يكون بحال أفضل إن اعتزموا اتباع هذا السبيل عوضا عن السعي لتشييد " الحصن الإسرائيلي". كما آمل أن يلاحظ الرئيس بشار الأسد والقادة الآخرون في المنطقة الذين يضعون مصالحهم الشخصية فوق مصالح شعوبهم أو مصلحة منطقتهم بأن النداء الجماعي الصادر عن المنطقة بات يأخذ منحى أكثر وضوحا وأكثر اتزانا للتعبير عن الحاجة الملحة "لتحقيق مشاركة أكبر لكافة المواطنين، رجالا ونساء ، وإتاحة السبل لمستقبل أفضل مع الحفاظ على الأمن والاستقرار والتماسك الوطني والرفاه الاجتماعي". كما ورد في إعلان الرياض الذي صدر مع نهاية اجتماع قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية في الرياض بشهر ديسمبر. هذه الكلمات الشجاعة والقوية بعثت رسالة واضحة لهؤلاء القادة حول الطريق الذي يجب عليهم اتباعه و المضي في تحقيقه. * السفير البريطاني لدى المملكة