وصلت نسبة الطلاق -بحسب آخر إحصائية لوزارة العدل- إلى (21%)، وهو ما يؤكد على أن خلف تلك النسبة أبناء يعانون، سواء من فراق أحد الوالدين، أو التشتت في الحياة، وهنا لابد أن تتوافق رؤى وأفكار الزوجين مع مستقبل الأبناء، حيث لا ذنب لهم في المشاكل، كما أنهم بحاجة إلى عطف الوالدين، وإن لم يحصل، فعلى الأقل أن يروا والديهم في صورة راقية، حتى لا ينعكس الوضع نفسياً عليهم. أم عبدالله: قال لي «سوف أحرمك من أبنائك وتبكين دماً على فراقهم» وتبقى "قضية الحضانة" من أهم القضايا التي يختلف عليها الزوجان، حيث يريد أحياناً كل منهما أن ينتقم من الآخر بطريقته الخاصة، وهو بذلك لا يحقق هدفه، وإنما يضر الأبناء، وخصوصاً عندما يشاهدون والديهم في حالة خلاف مستمر حتى بعد الطلاق، والسؤال هنا: لماذا لا يتم الانفصال بين الزوجين بطريقة حضارية لا يتضرر منها الأبناء؟. "الرياض" تناقش "قضية الحضانة"، وتطرح آراء المتخصصين، فكان هذا التحقيق. أم خالد: أخذهم مني منتصف الليل ولم يأت بهم منذ عام مراجعة المحاكم في البداية قالت "مي محمود" -مطلقة-: كثير ما نسمع عن حالات الطلاق والتي أصبحت في هذا الوقت ظاهرة تهدد كل منزل، والثمن بلاشك الأبناء، حيث يعانون من آثار نفسية تفقدهم لذة الحياة، مضيفةً أن لديها ابنة لا تراها إلاّ في الشهر مرة واحدة، وربما في الشهرين، ذاكرةً أنها تعبت من مراجعة المحاكم؛ بسبب هذه القضية، متمنيةً أن تكون بخير وعافية، وأن يوفقها الله سواء معها أو مع أبيها. محمد: أرى ابني ساعتين في الأسبوع داخل جمعية خيرية وأوضح الشاب "محمد السالم" أنه دخل وطليقته دائرة المحاكم بعد زواجهما بعام، مضيفاً أن الله رزقه بطفل، كان بمثابة النور الذي يضيء عتمة حياته، إلاّ أن أهل زوجته ما لبثوا بإثارة المشاكل، حتى وقع الطلاق، مبيناً أن طليقته حصلت على حكم قضائي بحضانة ابنها، ولكنه فوجئ بعد ذلك بتعنت أهلها، بل ومنعهم إياه من لقاء الصغير، لافتاً إلى أنه حصل من المحكمة على حق رؤيته يوما في الأسبوع، ولكنهم لم يرضوا بذلك، ليقدموا دعوى يزعمون فيها بأنه أهمل رعايته، بل ويعنفه، ويعلمه بعض الألفاظ السلبية، ذاكراً أن أهل طليقته حصلوا على حكم آخر يوصي برؤية ابنه لمدة ثمان ساعات فقط في الأسبوع، إلاّ أنهم وبعد فترة بسيطة قدموا دعوى ضدي بأني أمارس التعذيب الجسدي معه، مؤكداً على أنه أصبح يراه في إحدى الجمعيات الخيرية مرة في الأسبوع، ولمدة ساعتين فقط!، متسائلاً: كيف أستطيع أن أربي ابني في هاتين الساعتين؟. زهير ناصر دعوى خلع وأكدت "أم عبدالله" -30 عاماً- على أنها رفعت دعوى خلع ضد زوجها، ظناً منها أنها ستنجو هي وأبناؤها من قهر زوجها، مضيفةً أنه بعد فترة طويلة من مراجعة المحاكم، ولمدة ست أعوام، حصلت على حريتها، مشيرةً إلى أنها لم تفرح أكثر من عدة دقائق، حيث تفاجأت به وبعد نطق الحكم يقول: "سوف أحرمك من أبنائك، وسأجعلك تبكين دماً على فراقهم"، مبينةً أنه حصل بالفعل على مبتغاه، فهي لم تر أبناءها منذ أكثر من أربعة أعوام، حيث استطاع أن يحصل على حكم بالحضانة لهم؛ بسبب أنهن بنات، كما أنه ادعى عليها الأكاذيب، بل ونسج القصص الخيالية ضدها، لافتةً إلى أنه بعد طول المراجعات استطاعت أن تحظى برؤيتهم، ولكن ليس كباقي الأمهات، بل سمح لها بذلك في مكتب إحدى الجمعيات الخيرية، مبينةً أنه عند لقائهم وجدتهم لا يعرفونها، بل إن قلوبهم امتلأت كراهية لها، وشعورهم بالملل والضجر من المكان، هو أكبر دليل على ذلك!. د.نادية نصير رحلة شقاء وقالت "أم خالد": مكثت أكثر من ثلاثة أعوام معلقة في منزل أهلي أنا وأبنائي "مريم" ذات (10) أعوام، و"خالد" (8) أعوام، دون أن ينفق زوجي علينا، مضيفةً أنه بعد علمها بزواجه أقامت ثلاث دعاوى ضده، طلاق وحضانة ونفقة، مبينةً أنه حُكم لها باثنتين الطلاق والحضانة، مشيرةً إلى أنه من هنا بدأت رحلة الشقاء والعذاب، حيث عكّر صفو حياتها، ورفع دعوى طلب زيارة، وحُكم له في فترة الإجازة؛ حيث يقيم هو في المنطقة الشمالية وأنا في جدة، على أن يبقى الأبناء عندي فترة الدراسة، موضحةً أنه في أول مرة أخذ أبناءه، لم يرجعهم لها لمدة عام ونصف، بعدها رفعت دعوى ضده، ذاكرةً أنها حصلت على حكم من المحكمة بالحضانة، إلاّ أنه جاء للمنزل وتعهد لها أمام الجميع أن يأخذهم لعدة ساعات ثم إعادتهم قبل منتصف الليل، إلاّ إن منتصف الليل لم يأت لمدة عام كامل، مشيرةً إلى أنه رفع دعوى حضانة، وحصل على حكم، بالرغم من حصولها على حكم مكتسب القطعية، مؤكدةً على أنه للمرة الثانية يتم إجباره بقوة القانون، مطالبةً أن تكون هناك منطقة محايدة يستطيع فيها رؤية أبنائه، وهذا أفضل بكثير مما نحن عليه الآن، حيث يعاني أبناؤها من التأخر دراسياً بالإضافة إلى العذاب النفسي، إلى جانب إحساسهم بعدم الأمان والطمأنينة، فهم في حالة فزع دائم من أن يأتي ويأخذهم في أي لحظة، متسائلةً: من المسؤول عن هذا الخلل الكبير؟. آثار نفسية وأكدت "د.نادية نصير" -الرئيس التنفيذي لمكتب الأمل للاستشارات التربوية والأسرية والاجتماعية النفسية- على أن هناك آثاراً نفسية تلحق بهؤلاء الأطفال الذين لا ذنب لهم، والذين لا يستطيعون إشباع حوائجهم جراء هذا الحرمان، مشيرةً إلى أن قضايا الحضانة مهما كانت سلمية فهي ذات آثار نفسية مدمرة، فالانفصال يشعر الطفل بعدم الأمان النفسي، بل وفقدان الحماية، مبينةً أن أبرز الأمراض النفسية التي يعاني منها هؤلاء الأطفال الخوف من الظلام و"التبول اللاإرادي"، وكذلك الفزع أثناء النوم، أما الأطفال الذين هم في سن المدرسة فيلاحظ أنهم يميلون إلى الانطواء وعدم التركيز فيما يتعلمونه، مبينةً أن الأطفال ما فوق السادس ابتدائي، فتبدأ مرحلة المراهقة لديهم، حيث يعانون في الغالب من التخلف الدراسي، وكذلك ميلهم للعنف وممارسة الكذب والاستمتاع والتفنن به، وغيرها من الأمراض النفسية التي من الممكن أن تقضي على مستقبلهم، ذاكرةً أننا نستطيع أن نقسم قضايا الحضانة إلى ثلاثة أنواع، النوع الأول أن يكون الطرفان المنفصلان -الوالدين- على قدر كبير من الوعي والتفهم لمصلحة أبنائهم، فيكون هناك اتفاق على كيفية الرؤية، على أن يحتوي الطرف الحاضن هذا الطفل، مع توفير كل جوانب الرعاية النفسية والجسدية والتعويض، مؤكداً على أن نسبة خروج أطفال أسوياء تصل إلى (75%)؛ لأن الطلاق لابد أن يترك أثراً نفسياً كبيراً يعاني منه الطفل طوال سنوات حياته المقبلة. ذكريات وطفولة وأوضحت "د.نادية نصير" أن النوع الثاني من قضايا الحضانة أن الوالدين اللذبن انفصلا عن طريق المحاكم وأقاما قضايا حضانة، وكل طرف يحاول انتزاع الأطفال بأي وسيلة، واضعاً نصب عينه مصلحته الشخصية والانتقام من الطرف الآخر، مبينةً أنه في هذا النوع يعاني الصغار من الأمراض النفسية، مما يؤثر سلبياً على طريقة حياتهم، وكذلك تكوينهم لأسرهم، إلى جانب وجود ذكريات الطفولة وعذاباتها، لافتاً إلى أن النوع الثالث هم الأطفال الذين يكونون أبناء لوالدين أو أحدهما منحرفين أخلاقياً، أو بينهم قضايا تعنيف للأطفال، حيث يتم في الغالب الحكم برؤية الأطفال في مكان محايد، وهؤلاء في الغالب تتسبب هذه الظروف في فسادهم أخلاقياً في مراحل متقدمة من أعمارهم، ناصحةً الوالدين بالتريث في اتخاذ قرار الطلاق، حتى لا يكون الأبناء ضحايا، ويصبحون مرضى نفسيين غير أسوياء. ضوابط وأهلية وقال الشيخ "علي النميري": أن الحضانة من المشاكل التي يطول نظرها أمام المحاكم، وخاصةً أن كلا من الطرفين يسعى للاستئثار بها، وتلك غريزة طبيعية يحكمها حب الأبوين لأبنائهما، بل وحرص كل منهما على الأطفال، إلاّ أن عوامل أخرى تدخلها كدرجة الشقاق والخلاف بين الأبوين، وكذلك حرص كل منهما على كيد الآخر، مضيفاً أن الأصل في الحضانة أنها للأم ما لم تنكح، كما أن من أصولها وثوابتها تحديد مدى أهلية الحاضن، مبيناً أن هناك ضوابط للأهلية، فهناك مقادح تحول دون إسنادها لطرف من الطرفين المتنازعين، مشيراً إلى أنه من الثوابت أن حكمها لا يتصف بالديمومة، فمثلاً إذا تزوجت الأم وهي الحاضنة، فإنها تتحول عنها، والحكم الشرعي هو بالوضع العام الذي يستقرئ فيه حاكم القضية أوضاع كل من الوالدين والمحضونين، حيث إنه من المعروف أن مصلحة المحضونين هي المقدمة على ما سواها، مؤكداً على أنه يسعى من يحكم قضية حضانة إلى تراضي الطرفين، وإلى الاتفاق، تصالحاً على ما يخص الحضانة والزيارة وتفاصيل تنفيذها، ويدخل في ذلك ما تعمل به الجهات التنفيذية، كأقسام الشرط والجهات الاجتماعية. تعاون كبير وأوضح " زهير عبد الرحمن ناصر" -المدير العام لجمعية المودة الخيرية للإصلاح الاجتماعي- أنه نشأت فكرة استقبال الزيارات منذ بداية الجمعية، ولكن زادت فعاليته في الثلاثة الأعوام السابقة، حيث بلغ عدد الحالات التي تم استقبالها (1467) زيارة، مضيفاً أن المقصود بالزيارة هو المكان الذي يلتقي الزوج الذي بينه وبين زوجته أو طليقته خصومة ولم يشاهد أحدهما أبناءه؛ بسبب مشاكل أسرية مختلفة قد يترتب عليها انفصال، وهنا يجب أن تكون نفسيات الأبناء مستقرة برؤية الوالدين في مكان مناسب، حيث يتم تحويل معاملتهما من قبل المحكمة أو الحقوق المدنية، مبيناً أن هناك تعاونا كبيرا للم شمل الأسرة، ويتم تنفيذ الزيارة لدينا في كل أسبوع أو أسبوعين، حسب ما هو موجود في المعاملة، أو باتفاق الطرفين، وذلك بإحضار الأبناء لدينا في وجود الزوج أو الزوجة، لمشاهدتهما والجلوس واللعب معهما لمدة ساعتين أو أكثر، في أجواء مناسبة، مشيراً إلى أنه يستمر ذلك التردد لمدة لا تزيد عن أربعة أشهر، ويحضن الأم أو الأب أبنائهم أمامنا، بل ويحضرون معهم الهدايا والحلويات والعصيرات حتى يتم اتفاق الطرفين وأهلهما على النفقة والسكن، إلى جانب كيفية الزيارة برضى جميع الأطراف، وبعد إطفاء فتيل المشكلة بفضل الله، ثم بفضل المصلحين والنوايا الحسنة من جميع الأطراف وأهلهم، مؤكداً على أن الحالات التي تتطرف لآرائها، فلا يمكن الصلح بينها، حيث يكون الأبناء الضحية.