ما حصل في درعا في مارس وعلى بساطته زلزال صغير فجره فتية صغار غير عابئين ولا مهتمين إلى أين ستمتد تأثيراته واهتزازاته الراجعة فكان صداه براكين وزلازل وحمم في معظم المدن السورية. ولم يكن زلزال درعا الصغير إلا شرارة إلهية تتجلى فيه حركة الكون التي تنبئ بولادة عصر جديد من العصر القديم، فعلى بساطته تمت مواجهته بحسم وقسوة وشراسة غير مسبوقة ولعل ردة الفعل هذه هي شرارة الثورة السورية العارمة. هاهي المدن السورية تنتزع قبسات من مشعل الحرية الذي أوقد في درعا ساعياً لتغيير الواقع السوري المؤلم والمرير والذي امتد إلى أربعة عقود من القسوة والفساد والقتل والتشريد والقمع والرشوة والظلم والمحسوبية والتهميش. ومع سقوط أعداد كبيرة من الشهداء تعلم السوريون كيف يستنبتون دماء شهدائهم فتبدى لهم الشعور الغائب للحرية والكرامة. زرع السوريون أحزانهم وآهاتهم وآلامهم مع جثامين الشهداء فأثمرت هذه الأحزان مجداً وشعوراً عارماً بالعزة والسمو والتكريم وكان رصاص وقذائف وصواريخ النظام حين تصيب المدن والأحياء والبيوت الآمنة كانت تصيب هدفين: أجساداً مؤمنة صابرة فيكتب لها الشهادة والخلود، والهدف الآخر الذي تصيبه بنية النظام السياسي الفاسد فتقتله أيضاً. لقد شعر السوريون في هذه المدن الثائرة والقرى والأحياء على طول سوريا وعرضها بأنهم سوريون، وقد يكون ذلك الشعور قد أخفته أربعون عاماً تركيبة بشعة محورها طائفي بحت وفضائها شعوبي ضخت فيه الإمبراطورية الفارسية منذ قيام الثورة الخمينية مايقارب المائة وأربعين مليار دولار، صرفت على المشروع الفارسي الصفوي في سوريا ولبنان فقط وذلك بحسب معلومات وثقتها المعارضة الايرانية. فهل يستغرب الشعب السوري والشعوب العربية والإسلامية استماتة إيران في دعم النظام، إذ ليس من الممكن أن تستسلم وهي ترى مشروعها يسقط بهذه البساطة.لو كلف ذلك قتل الشعب السوري بأكمله. لقد جعلت الثورة السورية المباركة الشباب السوري المؤمن كالأرواح التي تخلصت من الخوف من الموت بالاستشهاد يصبحون ويمسون وهم يطلبون هذه الشهادة وهذا الامتياز الإلهي العظيم الذي لا يهبه الله سبحانه وتعالى إلا للمخلصين من عباده فيصبح الشاب منهم في بيته فيغتسل ويتوضأ ويصلي ركعتين ويودع أهله ثم يذهب لمؤازرة إخوانه في مظاهرات الكرامة والعزة والفداء. فلا تراهم إلا عظماء بحجم عظمة المبدأ الذي أخرجهم من بيوتهم وأهلهم فينصرون بهذا المبدأ العظيم وكل واحد منهم يبذل أغلى ما يملك في سبيل ذلك يفدون أرضهم ووطنهم وعرضهم وكرامتهم بأرواحهم الغالية وليس لواحد منهم غاية خاصة أو غرض ذاتي فهل يوجد في العالم أعظم وأطهر وأشجع وأروع وأسمى من هذه النفوس. وكل واحد من هؤلاء الأبطال قد رأى منظراً لأحد اخوانه أو أقربائه أو أصدقائه أو أبناء حيه وقد وقع مصاباً برصاص الغل والحقد متضرجاً بدمائه في مشاهد هي أقرب لأفلام الخيال من الواقع فالرصاص الحي والقذائف تتطاير من حولهم فتتلقاه أجساد هؤلاء الأبطال ويرون بأعينهم حين يسَلم الدم السوري على الدم السوري ويتسرب إليه فيعانقه عناق الأحباب، تماماً كما هم موعودون بعناق الأرواح في الفردوس وعلى رؤوس الأشهاد.. وفجر الحق قادم ليملأ سوريا عدلاً وكرامة وحرية ولو كره المجرمون.