رئيس مجلس السيادة السوداني يصل إلى جدة    الإصابة تضرب أولمو في برشلونة    نائب أمير منطقة الرياض يؤدي صلاة الميت على الدكتور مطلب النفيسة    في "بسطة خير السعودية".. الذكريات محفوظة بين غلافي "ألبوم صور"    السعودية تؤكد دعمها لكل ما يحقق أمن واستقرار سوريا ولبنان    ولي العهد يصل مكة لقضاء ما تبقى من رمضان بجوار الحرم    بطولة المملكة لكرة القدم للصالات للصم تقام بالقطيف منتصف أبريل    الاتفاق يواصل تحضيراته بمشاركة فينالدوم وهيندري    "تصفيات كأس أمم آسيا للسيدات 2026".. باكورة مشاركات "أخضر السيدات" الرسمية    تطوير خدمتي إصدار وتجديد تراخيص المحاماة    "سوليوود" يُطلق استفتاءً لاختيار "الأفضل" في موسم دراما رمضان 2025    مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يجدد مسجد الرميلة على الطراز النجدي    البكيرية تستعد للاحتفال بعيد الفطر المبارك    إعلان الطوارئ في تايلاند بعد الزلزال    إمام الحرم المكي: رمضان يودّعنا سريعًا.. فأحسنوا الختام واستمروا في الطاعات    أمانة وبلديات القصيم تستعد للاحتفال بعيد الفطر المبارك    الذهب يلامس أعلى مستوى قياسي وسط تصاعد حدة الحرب التجارية العالمية    "الزكاة والضريبة" تُنفّذ أكثر من 12 ألف زيارة تفتيشية خلال شهر    أمير الباحة يتابع الحالة المطرية ويوجّه بتكثيف جهود الجهات المعنية    وفاة الدكتور مطلب بن عبدالله النفيسة    هل تسير كندا والمكسيك نحو التحرر من الهيمنة الأمريكية؟    كواكب أبوعريش.. ملكي جازان    ديوكوفيتش يتأهل لنصف نهائي ميامي المفتوحة    أمانة الشرقية تزرع 5 آلاف شجرة و 10 آلاف وردة احتفاءاً بمبادرة السعودية الخضراء    إعادة النبض لمعتكف بالمسجد النبوي تعرض لنوبة قلبية    تنفيذ إخلاء طبي جوي من المسجد الحرام عبر مهبط الإسعاف الجوي الجديد    الشراكة ثقة    أمران ملكيان: خالد بن بندر مستشارًا في الخارجية والحربي رئيسًا للجهاز العسكري    مختص ل"الرياض": انتظار العطلات سعادة    التطوّع في المسجد النبوي.. تجربة تجمع بين شرف المكان وأجر العمل    جراحة مخ ناجحة تُنقذ معتمرًا مصريًا من إعاقة دائمة    "أوتشا" تحذّر من الآثار المدمرة التي طالت سكان غزة    رئيس وزراء كندا: زمن التعاون الوثيق مع أميركا «انتهى»    ألونسو ينفي الشائعات حول مستقبله مع ليفركوزن    «البيئة»: عسير تتصدر 6 مناطق شهدت هطول أمطار    تجمع جدة الصحي الثاني ينفذ حملة "صُمْ بصحة" لمواجهة الأمراض المزمنة    المواسي مديرًا لإدارة الموارد البشرية في بلدية بيش    أكثر من 70 ألف مستفيد من برامج جمعية الدعوة بأجياد في رمضان    يوم "مبادرة السعودية الخضراء".. إنجازات طموحة ترسم ملامح مستقبل أخضر مستدام    مركز الملك سلمان للإغاثة يتيح إمكانية إخراج زكاة الفطر عبر منصة "ساهم" إلى مستحقيها في اليمن والصومال    "مستشفيات المانع" تُطلق أكثر من 40 حملة تثقيفيةً صحيةً خلال شهر رمضان المبارك لتوعية المرضى والزوار    المحكمة العليا تدعو إلى تحري رؤية هلال شهر شوال مساء يوم السبت ال29 من شهر رمضان لهذا العام 1446ه    حرائق كوريا الجنوبية ..الأضخم على الإطلاق في تاريخ البلاد    خدمة زوار بيت الله    النفط يصعد والذهب يترقب تداعيات الرسوم    نائب أمير مكة يطلع على خطط إدارة الحشود والجاهزية لحج 1446ه    إحياء الموائد الرمضانية في أملج    سوزان تستكمل مجلدها الثاني «أطياف الحرمين»    تكثيف الحملات الرقابية على المسالخ وأسواق اللحوم والخضار بحائل استعدادًا لعيد الفطر    محادثات الرياض تعيد الثقة بين الأطراف وتفتح آفاق التعاون الدولي.. السعودية.. قلب مساعي السلام في الأزمة الروسية الأوكرانية    تحدٍ يصيب روسياً بفشل كلوي    إطلاق مبادرة "سند الأبطال" لدعم المصابين وذوي الشهداء    مطبخ صحي للوقاية من السرطان    أنامل وطنية تبهر زوار جدة التاريخية    حليب الإبل إرث الأجداد وخيار الصائمين    محمد بن سلمان.. سنوات من التحول والتمكين    عهد التمكين والتطور    ذكرى واستذكار الأساليب القيادية الملهمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الربيع العربي... والخطاب القومي!!
نشر في الرياض يوم 20 - 02 - 2012

ليس كمثل الثورة السورية في كشف زيف وادعاءات بعض المحسوبين على هذا التيار. وللإنصاف فهم يختلفون في الدرجة لا في النوع. فكثير منهم لم يقطع حتى اليوم مع هذا النظام... ولازال يروّج للإصلاح من داخله ..إلا أن بعضهم يدرك خطورة الانسياق خلف دعم نظم القمع والاستبداد بشكل لا لبس فيه في مواجهة ثورة الحرية والكرامة
يحيّرني الخطاب القومي العربي وهو بصدد تحليل ظاهرة الربيع العربي. أحياناً أشعر أنه مازال في مرحلة سايكس - بيكو، يذكرنا بها في خضم مشهد جديد ليس من أدوات تحليل ظواهره الارتهان لتلك المرحلة. وأحياناً أشعر أنه يميل لنظم الاستبداد الشمولي دون تصريح طالما بقيت واجهات لنظام قومي عربي مهما بلغت تشوهاتها، ومهما كانت جناياتها ومهما تراكمت إخفاقاتها وكل ذلك باسم الممانعة والمقاومة. وفي أحيان أخرى أشعر أنه مسكون بالنفور من التيار الاسلامي إذا أطل بقوة على مسرح الربيع العربي... يشنع عليه ويضخم اخطاءه ولا يتورع أن يخلط بين المزاج الشعبي العام، وبين منظمات التطرف والارهاب.
وعندما يلح على استعادة حالة الصراع مع الغرب والدور الاسرائيلي ونظرية المؤامرة والأدوار الغربية في ثورات الشعوب العربية.. تتراجع لديه قضية كبرى، كقضية الحريات والديمقراطية كأولوية في منطقة منكوبة بآفات الاستبداد الطويل، كما أنه بإضفاء أدوار غربية حاسمة على هذه التحولات الكبرى إنما يعطي لقيصر ما ليس له، بما يوحي أن هذه الشعوب العربية عاجزة عن صناعة هذه الملحمة الكبرى لولا تحالفها مع قوى الغرب وصناع مؤامراته!!
وليس كمثل الثورة السورية في كشف زيف وادعاءات بعض المحسوبين على هذا التيار. وللإنصاف فهم يختلفون في الدرجة لا في النوع. فكثير منهم لم يقطع حتى اليوم مع هذا النظام... ولازال يروّج للإصلاح من داخله ..إلا أن بعضهم يدرك خطورة الانسياق خلف دعم نظم القمع والاستبداد بشكل لا لبس فيه في مواجهة ثورة الحرية والكرامة.
أما من أسرف على نفسه في دعم هذا النظام عبر تشويه صورة الثورة، والتهويل من المشروع الغربي الاستعماري المنتظر للمنطقة اذا ما نجحت الثورة وحققت أهدافها، فمن الواضح انه يعمل وفق أجندة تدعم النظام السوري وتبرر جرائمه عبر تسويق وجه المؤامرة المزعومة. وأدواته لا تخلو من التشنيع على المعارضة عبر استدعاء سيناريوهات المؤامرة.
عندما يخلع المثقف القومي وجه الانسان ليبرر جرائم القمع والقتل وسفك الدماء، وهو يروج لملامح مشهد لا يخلو من مخطط تأمري للقضاء على سورية العروبة والقومية والممانعة، فهو ليس فقط يمارس الكذب عياناً بياناً.. وهو لا يخلع فقط وجه الانسان ليرتدي وجه الشيطان.. إنما قبل أي شيء آخر يسقط ما تبقى له من احترام في عقول صدقت أن ثمة فكرا قوميا إنسانيا يمكن أن يحمل تصورا أخلاقيا لوجه الحياة وقضايا الانسان، ولا يفقد في الوقت نفسه وجه الممانعة والمقاومة، ولا يعمل خارج إطار مفاهيم العروبة التي تلتزم مبادئ الوحدة بأشكالها المختلفة دون أن تفقد أهم مقوماتها وهو الانسان العربي الحر الذي يقوى على صناعة عالمه على قاعدة الحقوق الانسانية المحترمة والمكفولة قبل أي شيء آخر.
لم يعد من المجدي الحديث عن التطبيقات الرديئة في النظم القومية التي لا تعني بحال فساد الفكرة.. أو أن النظرية القومية التي تبنتها بعض النظم العربية بلغت حداً من التشويه لايمكن بحال حساب نتائجها على مضمون الافكار القومية التي يجب أن تستعاد لصالح الانسان العربي ولصالح قضيته في فلسطين ولمواجهة الاطماع التي تريد ان تنال من مصالحه وحقوقه وتهيمن على موارده. فالاختبارات القاسية وضعت بعضا من هؤلاء الذين يؤكدون تلك المقولات في مشهد انتهازي بالغ السوء. باركوا الثورات في مصر وتونس واليمن ولكنهم ترددوا في ليبيا ومانعوها في سورية.
ومن العدالة والانصاف ألا نضع الجميع في سلة واحدة. فمن القوميين الشرفاء من نأى بنفسه عن الخوض في هذا المشهد أو واجه تلك النظم بما تستحق من الادانة والكشف. وإن كان من الواضح أن هناك آلة تتحرك بلا هوادة وتعمل بلا كلل من أجل تبرير وتمرير وتغطية جرائم لايمكن تغطيتها أو حجبها.
لم أتعرض يوما للأستاذ محمد حسنين هيكل، أحترم مواهبه وقدراته.. ولا أضعه في سلة المدافعين عن نظام هنا أو هناك.. إلا أنني استعيده هنا لتأكيد وجهة نظر سائدة بين المثقفين القوميين والخطاب الذي يتبنونه في هذه المرحلة، إلا أن هذا لا يعفيهم من حالة الارتباك والتناقض.
استعدت وأنا أبحث في نماذج مواقف القوميين العرب من الثورات العربية، وخاصة الثورة الليبية والسورية، العديد من الرؤى التي تتباعد وتتقارب إلا أن ما يربطها تجسده رؤية هيكل التي قدمها في حديثه لصحيفة الاهرام.. وهي رؤية أثارت لدي العديد من التساؤلات حينها، وكنت أرجأت التعليق عليها لوقت لاحق.. ربما لاختبار هذه المقولات أو الرؤى في خضم مشهد يتطور يوميا وبسرعة لا تعطي فرصة لالتقاط الانفاس.
كان يتحدث عن نظام عربي غير معقول، وخطيئة مواجهته من قبل الثوار بغير المقبول من خلال طلب العون والتدخل الخارجي. رؤية تحمل معها خرائط سايكس - بيكو لتعيد رسمها وفق تصور الوراثة الاستعمارية الجديدة للمنطقة العربية. رؤية تدين نظام اللامقعول في مقابل إدانة أي محاولة انقاذ عبر حل غير مقبول لأنه سيكون ارتهانا لسايكس - بيكو جديدة.
في الجزء الأخير من حواره مع «الأهرام»، يقول عن مشهد الربيع العربي: إن ما نراه في هذه اللحظة هو مشروع قومي يتهاوى، وبقاياه تجرى إزاحتها الآن، كما أن هناك مشروعات أخرى تتسابق إلى ملء الفراغ. وأوضح هيكل فكرته قائلا: «سايكس - بيكو» الأولى كانت تقسيما للعالم العربي بين انجلترا وفرنسا، وكانت تركيا العثمانية هي أولى الضحايا وقبلها العرب، أما «سايكس - بيكو» الثانية، فهي تقسيم لإرث مشروع قومي عربي لصالح تحالف أمريكي - أوروبي، وضحاياه كلهم عرب!
فكرة المؤامرة إذن حاضرة في عقل هيكل عن ثورات عربية فاجأت حتى الغرب ذاته!! إذن هي تقسيم لإرث مشروع قومي. ولكن أين هذا المشروع القومي العربي إلى ما قبل انتفاضات وثورات الشعوب العربية؟! ولصالح تحالف أمريكي - اوروبي؟!!
أين هذا التحالف ونحن رأينا انسحاب الولايات المتحدة الامريكية في مفاصل حرجة من ثورة الشعب الليبي على القذافي اللامقعول. وأين هذا التحالف في الثورة السورية؟! ونحن نرى الولايات المتحدة الامريكية تدعم الثورة بالتصريحات وتتلكأ في الحراك وتترك لروسيا إكمال باقي المهمة.
تطرق هيكل إلى الأوضاع في ليبيا قائلا: ما يجرى تقسيمه هو النفط وفوائضه!! لكن ماذا عن النفط في زمن القذافي ألم يتم بيعه وتسويقه وتوظيف عوائده لصالح مشروع غير معقول؟! ألم يوزع القذافي عقوده على شركات النفط الغربية بما فيها شركة توتال الفرنسية وإيني الايطالية وشركة بريتش بتروليوم البريطانية وغيرها من الشركات، أم كان القذافي لديه شركات وطنية بتكنولوجيا متقدمة عمل على بنائها خلال فترة حكمه السعيد للاستخراج النفط وتسويقه واستعادة فوائضه لخدمة الشعب الليبي والمشروع القومي العربي؟!
ولكن هيكل يتجاوز كل هذا ليعود لتركيب مشهد جديد حول توزيع المواقع " قاعدة للأسطول السادس في "طرابلس" لأمريكا - ومراكز مخابرات في "بنغازي" و"طبرق" لبريطانيا ". حسناً رغم كل ما نراه اليوم مما لا يصدق هذا .. إلا أن سايكس - بيكو جديدة حاضرة في مشهد التحليل.
أما التغيير في سورية فهو عند هيكل قد يكون مطلوبا، لكنه في هذه اللحظة مزعج!! وإن إنذارات بعض الدول العربية لدمشق تبدو وكأنها تمهد الطريق لتدخل عسكري دولي!!. وبين (قد ومزعج) سيكون هناك المزيد من الاحتمالات لاكتشاف أبعاد ال (قد.. والمزعج) في عقل هيكل.
أما الاعتراف الأمريكي والغربي بالإخوان المسلمين فهو - عند هيكل - لم يجئ قبولا باستحقاق جديد، ولا تقديرا تجلت دواعيه أمام المعترفين، لكنه جاء قبولا - ولو جزئيا - بنصيحة عدد من المستشرقين، بينهم "برنارد لويس" - أيضا!- تطلب مدداً يستكمل عزل إيران في العالم الإسلامي والعربي بالفتنة المذهبية.
إذن لم يأت الاعتراف الامريكي والاوروبي بالإخوان المسلمين لانهم اصبحوا بحكم الاقتراع القوة الاكبر في المجتمعات التي انتفضت على عهود القمع والقهر والتعطيل.. لم يأت هذا الاعتراف باعتبارهم قوة سياسية يجب التعامل معها لضمان مصالح دول تريد ان تعرف مع من يجب أن تتعامل في هذه المرحلة .. لقد جاء لمواجهة ايران عبر إثارة الفتنة الطائفية!!
استعنت برؤية هيكل باعتباره الأكثر اقتراباً من التحليل الموضوعي فكانت هذه الحصيلة الفاجعة..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.