دخلت السيدة السعودية إلى المستوصف واتجهت إلى الممرضة (غير السعودية) وقالت لها مبتسمة: صباح الخير، كيف الحال؟ فرحت الممرضة بهذه التحية، وامتلكت الشجاعة لتسأل: هل أنت سعودية؟ وفهمت السيدة السعودية مغزى السؤال لأنها تذكرت أنها هي وغيرها يتعاملون مع غير السعوديين بنوع من البرود وبناء الحدود بدلاً من بناء الجسور، ولما سبق تجد غير السعودي يتردد في الإقدام والتعرف على السعودي خوفاً من ردة الفعل غير الايجابية، بالطبع ليس مطلوباً من الإنسان أن يكون صديقاً لكل الناس، لكن التحية، والسلام، والابتسام هي من صميم ثقافتنا الإسلامية، وهي مفاتيح للتعارف والتعاون والتعامل الايجابي. بعضنا عندما يسافر إلى الخارج لا يجد حرجاً في التحدث مع الآخرين. بالنسبة لي شخصياً إحدى هواياتي في السفر التحدث مع سائقي سيارات الأجرة، وإذا كان السائق معي لفترة طويلة فإنني أناديه بكلمة (صديقي). في الداخل يسقط البعض تقصيرهم في التعامل الإنساني على أعذار وأسباب غير مقنعة مثل الانشغال، وضغط العمل. أما الأسباب غير المعلنة عند البعض فهي التعالي. وهنا لابد أن نفرق بين الثقة بالنفس والشعور الذي يسيطر على المرء بأنه أكثر أهمية من الآخرين، أو أنه شخص لا يطاله النقد أو العتاب، وإذا كان تقدير الذات من السمات الحميدة فإن التفاخر والتعالي هي في نطاق الخصال السلبية. يروي ممثل كوميدي الموقف الثاني: كانت هناك إحدى الممرضات التي كانت تختال بجمالها، حيث أنها عندما كانت تقيس النبض للرجال كانت دوماً تطرح عشر درجات من القياس على اعتبار أن تلك الدرجات العشر تمثل أثر جمالها على نبضات قلوبهم. إن التواضع يحقق التقارب بين الناس ويشيع الألفة بينهم. إن بناء المجتمع وأمنه وإزدهاره وتكافله يعتمد على أفراده بصرف النظر عن الهوية، والإنسان بحاجة إلى الإنسان ويقول الناجحون أن الأشخاص المتواضعين يعترفون بأنهم لم ينجحوا معتمدين على أنفسهم فهم يذكرون الفضل وينسبونه إلى الذين مدوا لهم يد العون في مشوار نجاحهم، ومهما اعتقدنا أن العامل البسيط مثل عامل النظافة لا يستحق عنا التفاتة أو تحية فإن الأيام ستثبت لنا أننا على خطأ فإذا ألقى عليك هذا العامل التحية فرد عليه وابتسم له وتحدث معه وأسأله عن عمله وأحواله واحتياجاته وكما قال أحد المجربين ابتلع غرورك بين الحين والآخر فلن يصيبك الأمر بتخمة. طبعاً، من حق الإنسان أن يفتخر بثروته الفكرية، والإنسانية وبأعماله، ومنجزاته، وليس بالهوية التي يحملها. ذلك الافتخار المقترن بالعمل، والانجاز والحس الإنساني يجيز للإنسان أن يرفع رأسه، ولكن ليس إلى درجة الغرور الذي يؤدي إلى إقامة الحواجز الإنسانية بين الإنسان والآخرين.