أحمد الله كثيراً أنني لست عاملاً وافداً في السعودية، أما لماذا فإليكم بعضاً مما أراه. بينما أكتب لكم الآن تحين مني التفاتة من وقت لآخر للطرف الثاني من الشارع الذي يطل عليه مكتبي، فلا يفصلني عن القرون الوسطى سوى 60 متراً فقط، فهنا سطح لصيدلية تقيم عليه مجموعة من العمال 10 أو 15 وربما 30، لا أعلم عددهم بالتحديد، فجل ما أشاهده ملابس معلقة من كل لون، تحدها من أطرافها الثلاثة جدران خشبية بالية على وشك السقوط، وسقفها عبارة عن طبق استقبال محطات فضائية استخدم كستار عله يحجب قليلاً من أشعة الشمس الملتهبة، وذلك المشهد لا يتفرد به الشارع الذي أتحدث عنه، بل قد تجده في الأحياء حيث توجد العمالة، فهذا هو ما يجب أن يقيموا فيه. التفاتة أخرى إلى الصحيفة التي على مكتبي، فإذا بخبر يتحدث عن ضبط وافدين يديرون مصنعاً للخمر، وخبر آخر عن مجموعة أخرى تسرق إطارات السيارات، وأخبار مؤسفة يتم نشرها يومياً عن جرائم العمالة الوافدة، لكن السؤال الذي يجب أن نطرحه: إلى أي درجة نحن متورطون في جرائم تلك الفئة؟ دعونا في البداية نتحدث عن الصورة التي تتشكل في ذهن العامل عن البلاد التي تحصل على تأشيرتها، فهو يرى فيها خلاصاً من أزمة يعيشها في بلاده، ويأمل من خلال تلك التأشيرة أن تكون طوق النجاة للخروج من الفقر والفاقة، لكن ما إن تطأ قدما هذا العامل أرض هذه البلاد الطيبة، حتى تبدأ بالنسبة له مرحلة لم يحسب حسابها، من ابتزازه من جانب كفيله، إلى ظروف سكنه إلى طعامه، في النهاية يشعر هذا العامل انه تعرض إلى الإهانة والنصب عليه من جانب كفيله. طبعاً نحن هنا نتحدث عن العمالة من غير أرباب السوابق وخريجي السجون، عن أولئك الذين جاءوا فعلاً لهدف تحسين أوضاعهم لكنهم فوجئوا بعكس كل ما قيل لهم إلى أن انحرفوا وقاموا بجرائم كرد فعل لما واجهوه. بعد ذلك نتساءل: ترى لماذا يُقدم العامل الوافد على الجريمة؟ سؤال قد لا تصعب الإجابة عنه إذا ما وضعنا أنفسنا في موقعه، فلنتخيل العامل يقوم بعمله على مدار الشهر بما يفوق ساعات العمل المقررة نظاماً وأدباً، وسط أجواء لاهبة وشمس محرقة تصل إلى 50 درجة مئوية أو أكثر، وفي نهاية الشهر يتهرب منه كفيله أو يمتنع عن إعطائه راتبه الشهري المستحق، فلنتخيل أن بعضهم ينام وسط 20 شخصاً في غرفة واحدة، ولنتخيل أيضاً أولئك الذين يأتي بهم كفلاؤهم ويرمونهم في الشارع ويلزمونهم بالتجول بحثاً عن عمل من خلال فرض مبلغ شهري يدفعونه للكفيل، بخلاف تحميلهم قيمة رسوم إقاماتهم وما يستحق من مبالغ، ثم لنتخيل أخيراً أن هذا العامل الذي جاء إلى هذه البلاد لا يمكنه المغادرة في إجازة لدياره قبل سنتين من تاريخ وصوله. وبعد ذلك يجب علينا أن نستغرب إقدام تلك الفئة على الجريمة؟ كيف لهذا العامل أن يتحمل تلك الضغوط كافة، ونتوقع منه أن يعمل بإخلاص وتفانٍ، أليس لهذا العامل أحاسيس وأزمات يحتاج للتعامل بها، وكيف يمكن بعد تجريده من إنسانيته وحقوقه كافة أن نطالبه بذلك الواجب. الموضوع هنا لا يتحدث عن أنظمة الدولة فهي من خلال مؤسساتها حفظت حقوق العمال وأعادت حقوق البعض الآخر، لكن الخلل يقع على المواطن الذي يستغل هذا الإنسان ويتفنن في التنكيل به، طبعاً ما نتحدث عنه لا يشمل الكفلاء كافة الذين استشعروا عظم مسؤولية أولئك العمال وتعاملوا معهم من منطلق إنساني «بما يرضي الله»، فالحديث هنا عن فئة تعيش بيننا تتفنن في إذلال تلك العمالة وتعذيبها. لكن في المقابل أرى أن على الجهات ذات العلاقة التدخل لا بمنع التأشيرات فقط، بل من خلال وضع شروط أولاً تحدد مؤهلات العامل المراد استقدامه، وخلو سجله من السوابق، وهذا إجراء مهم ويجب التشدد فيه، وبعد ذلك تهيئة المناخ المناسب لأداء عمله، مثل السكن في موقع مناسب، ومنحه إجازة سنوية يقضيها في بلاده يستطيع من خلالها تفريغ الشحنات التي بداخله، وتحديد فترة إقامته في البلاد بحيث لا تتجاوز فترة زمنية تمكنه من فرض نمط معيشته على من حوله، كأن لا يسمح للعامل بقضاء اكثر من 5 سنوات على سبيل المثال، فالخطورة تكمن عندما يتعرف العامل على نمط المعيشة ويعاشر أقرانه ممن عاشوا سنين طويلة في البلاد، ولعل في ذلك فرصة لاتقاء شرور بعضهم ممن لا يتناسب سلوكهم وأفكارهم مع طبيعة هذه البلاد وأهلها. [email protected]