رحلت منذ أيام مربية فاضلة خدمت هذا الوطن بكل تفان، كانت معلمتي في المدرسة 176 الابتدائية ولا فخر، علمتني منذ ثمانية عشر عاماً الحروف والرسم والتلوين بكل بهجة الألوان، القرآن، الدين، صحبتني في تعليمي منذ الصف الثالث حتى السادس الابتدائي، هي إنسانة رقيقة، علمتنا محبة الله، علمتنا محبة الوطن، الكفاح، زرعت فينا التعليم بالابتسامة، فنافست رواد نظريات التعليم والتربية بالحب، لم تكن تفرق بين هذه وتلك، لا المادة ولا الشكل ولا اللون.. علمتنا أن أساس المفاضلة التقوى ثم العلم..! غرست فينا حب الطموح والمثابرة... والله إني لأدعو لها، فقد رفعت من روحنا المعنوية، بأوسمتها الرائعة التي كانت تقلدنا إياها حين نبدع، شريطة حمراء للمتفوقة في مادة القرآن، وبرتقالية للمجيدة للحديث النبوي وأخرى للمؤدبة، و.... نعلقها بفخر كل صباح ونزهو بها صدورنا وقلوبنا الصغيرة. لقد طبقتها بأمانة وحب منذ عشرين عاماً، فما أروعها من معلمة، بل أم قديرة، لا أشك في أن أي طالبة درست في المدرسة 176 الابتدائية ستنساها، فهي عمود من أعمدتها الراسخة، إنها أستاذتنا فوزية أم عثمان التويم، رحمها الله وأسبغ عليها شآبيب رحمته.. عندما سمعت خبر وفاتها رحمها الله، طافت بذهني ابتسامتها، ودعابتها الحاضرة، تنتزعنا من لحظات حزن فراق أسرّتنا الدافئة في صباحاتنا الصغيرة الماضية، تصر على أن نملأ لوحاتنا بكل ألوان حقيبتنا، وكأنها تعلمنا مبادئ الاستمتاع البريء بالحياة والتفاؤل، لا أذكر أنها زجرت أحداً بقسوة، أو ضربت أحداً، أجمع الكل على محبتها، ما زلت أذكر الشريطة البيضاء التي قلدتني إياها، وكتبت عليها الطالبة المثالية.. برغم تقصيري في أحيان، لكنها تشجع الطالبات وتدعم معنوياتهن. (ضبّوا قشكم) عبارة لا أظن أن من درستهن سينسينها فهي تداعبنا بها في الحصة الأخيرة حين تسأم أرواحنا الصغيرة من طول اليوم الدراسي، ونتوق إلى الذهاب إلى المنزل.. شتان بين من زرعت محبة وذكرى طيبة وعلما نافعا، وبين من زرعت ذكرى حزينة في قلوب طالباتها، فلا يذكرنها إلا وغصة أو آهة ترافقهن على من جرحت ذكريات طفولتهن بفظاظتها.