هذا مثل سائر معروف لكني لم أكمله نظراً لأن من نطق بالحق قد لا يكون عدواً، فقد كتبت الكاتبة: «تانيا سي هسو» في صحيفة الرياض الغراء يوم الثلاثاء (30/4/1426) مقالاً بعنوان «خطاب مفتوح للسعوديين» تحدثت فيه عن زيارتها المملكة وعن انطباعاتها بعد تلك الزيارة التي لم تدم - كما تقول - أكثر من اربعة أسابيع. وفي الحقيقة لما قرأت مقالها استوقفني فأعدت قراءته فإذا بها قد نطقت بالحق والصدق وكتبت بكل تجرد وشفافية بعيداً عن التعصب والعدوانية. ولاشك أن من يزور هذه البلاد المباركة ويعاشر أهلها ويعاملهم عن قرب، ويرى ما حباها الله به من دستور عادل ونظام مستقيم وانجازات حضارية عملاقة وانجازات في شتى الميادين اضافة الى الثوابت والعادات والتقاليد الجميلة يخرج بانطباعات مثل تلك التي خرجت بها تلك الكاتبة. ولعلي أُشرك القارئ الكريم بمقتطفات من مقالة الكاتبة مع تعليق سريع عليها. - تقول «ولم يمثّل ارتدائي الحجاب وعدم تمكيني من قيادة السيارة خلال المدة التي قضيتها هناك أي مشكلة بالنسبة لي، وبعد أربعة أسابيع طرت الى اتلانتا مرتدية الحجاب ليس فقط لأختبر رد فعل الأمريكيين ولكنه كان مريحاً وعملياً» إذاً هي تجد في الحجاب الراحة، وأعتقد أن مع الراحة الجسدية الراحة الروحية والاستقرار النفسي، وانصت إليها وهي تقول «ولقد أضفت لحجابي في سوق الرياض البرقع وأدركت ولأول مرة في حياتي بأن الرجال يتحدثون إلي مباشرة بكل احترام وتقدير دون أن يكون لجسدي كامرأة أثر في ذلك التقدير» أقول: صدق الله: {يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين} أي ذلك أقرب أن تُعرف المرأة بعفافها واحتشامها فلا يجرؤ أحد على إيذائها، فالحجاب بلاشك إجراء وقائي لحفظ كرامة المرأة وصيانتها، ويا ليت نساء قومي يعلمن. وأورد بالمقابل قصة لامرأة من هذه البلاد سافرت للغرب ولازمت حجابها بالكامل بما في ذلك غطاء الوجه وبينما هي في أحد محلات بيع المجوهرات بادرها صاحب المحل بالسؤال لماذا تغطين وجهك فلم تتلعثم أو تبرر على استحياء وإنما بادرته سائلة: لماذا هذه المجوهرات التي أراها أمامي بيني وبينها هذا الحائل؟ فقال: حفاظاً عليها من السرقة فهي مجوهرات غالية وقيمتها عالية. حينئذ اجابته بقولها: فكذلك حجابي يصون عرضي. - ومما جاء في مقال الكاتبة قولها: «عليكم أن تشرحوا للعالم أنكم تحترمون النساء وكيف أنكم تمنحون الأسرة الأولوية في الاهتمام، عليكم أن تخرجوا من صمتكم وتتساءلوا كيف أن الولاياتالمتحدة هي الدولة الرائدة في الجريمة وفي الاغتصاب وفي العنف تجرؤ على اتهامكم بانتهاك حقوق الإنسان..» إلى أن تقول: «وعليكم أن تبينوا للأمريكيين بأن العديد من الرهبان والقساوسة والمستوطنين اليهود والحاخامات والكاثوليكيين يغطون رؤوسهم، ولكن تغطية المرأة السعودية لرأسها يعد (عندهم) مظهراً من مظاهر الظلم» وأعلق على هذا مكتفياً بقول الشاعر: أحرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس - ثم تقول «وعليكم أن تبينوا للأمريكيين بأنهم يميزون بين الرجل والمرأة في الدخل بينما وظّف الرسول محمد صلى الله عليه وسلم للعمل في التجارة من قبل زوجته الأولى خديجة كما وحاربت زوجته الأخرى عائشة جنباً إلى جنب مع المقاتلين في احدى الغزوات وهذا يدل على أن الإسلام يمنع العنصرية والتمييز ضد المرأة، «وعليكم أن تبينوا للأمريكيين كيف أنه لم يتم التفرقة العنصرية ضد السود سوى عام 1963م بعد سلسلة من الاضطرابات وأعمال العنف؟» وتتابع كلامها قائلة: «كما ولا يزال التمييز شائعاً ضدهم ولا يتم الاختلاط بهم مع الجنس الأبيض بحرية..» وأقول: لقد جاء الإسلام بحفظ كامل الحقوق للمرأة واقرار مبدأ العدل بينها وبين الرجل فأعطاها وأوجب بالمقابل عليها {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة} لهم درجة القوامة والولاية والزيادة في الميراث ونحو ذلك. ومما يجب أن يعلم أن الإسلام جاء بمبدأ العدل لكن لا يلزم من العدل المساواة، بل المقصود المساواة بين جنس الرجل من غير فرق بينهم وبين جنس النساء على حد سواء. وأما التمييز على أساس عنصري فأجزم بأنه لا يوجد تشريع سماوي ولا تنظيم أرضي يعط جميع الأطياف حقوقهم وواجباتهم كما هو الإسلام، فالمعيار والميزان فيه هو التقوى ليس إلا {إن أكرمكم عند الله أتقاكم..} وهكذا ساوى الإسلام بين عمر القرشي وبلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي. - ثم تقول تلك الآنسة (تانيا): «إن لديكم أشياء كثيرة تجعلكم تشعرون بالفخر، ولكن أدبكم الجم ورقتكم قد سمحت للغرب بأن يطأكم بقدميه، وأن يصفكم بأنكم مصدر تهديد، عليكم أن تسعوا للتقليل من المشاعر المعادية تجاه السعوديين، انكم أمة عزيزة ولذلك فعليكم أن تترجموا مشاعر الاعتزاز» وأقول: لاشك أن تلك هي أخلاق السعوديين على وجه العموم والشاذ لا يقاس عليه، لا أقول إنهما أخلاق المسلمين، فلقد قرر رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام العلاقة مع الآخر بقوله «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» وقبل ذلك قال الله عز وجل {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}. ولا يفوتني هنا أن أرشد القارئ الكريم إلى قراءة كتاب صدر حديثاً بعنوان «السعوديون والإرهاب رؤى عالمية» ففيه ما يشفي في هذا الشأن. - ثم تسترسل الكاتبة القديرة في الحديث عن اقفال المحلات عند أوقات الصلاة وكيف أنها في بداية الأمر واجهت بعض المضايقات لكنها تعود وتقول: «فالوقت في الولاياتالمتحدة يمر بطريقة مختلفة حيث نسارع من مكان لآخر مما يوصلنا للاجهاد وحافة الانهيار بينما شاهدت الأسر في جدة تسير في مجموعات مسترضية على الكورنيش بينما يلعب ابناؤهم بالطائرات الورقية أو يركبون الحمير أو يعدون اللحم المشوي في الهواء الطلق بعيداً عن الموسيقى الصاخبة التي تصك الآذان في الشوارع الأمريكية الرئيسية...». أقول هذه رسالة مفتوحة نوجهها الى من يرغب في قضاء إجازته الصيفية في البلاد الغربية ويرغب عن بلاد المسلمين وما ذكرته إنما هو جزء من كل مما يلاقيه السايح هناك. وفي الحقيقة: المقال حوى فوعى ووضعت فيه الكاتبة النقاط على الحروف، وهنا أختم بما ختمت به مقالها الطويل حيث تقول: «والحقيقة إن هناك لغزاً كاملاً في المملكة ربما يكون في طبيعة الناس أو ربما في طبيعة التاريخ أو ربما في طبيعة الأرض، ولو أتيحت لي الفرصة للبقاء مدة أطول في المملكة لربما واصلت البحث حتى تحصلت على الإجابة لمثل هذا اللغز، انني أشعر بأن جزءاً من قلبي قد ظل ورائي في المملكة ولكنني آمل أن أتمكن من العودة سريعاً للمملكة لمعرفة السبب في ذلك» أ.ه. إن اللغز أيها الكاتبة القديرة ليس في الطبيعة ولا التاريخ ولا الأرض - كما ذكرت -لكنه لغز السماء ونور الحق الذي أنت وأمثالك من المنصفين الباحثين عن الحقيقة على مقربة منه عسى الله أن يهديكم إليه: {والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم}. ٭ عضو مجلس الشورى