يتنكّرون لمن أحسن اليهم، وهناك جاحدون لا يرون لأحد من الناس فضلا فيما حقّقوه من مكاسب أو نجاحات. وتسمع في حواراتنا وشكوانا من يردّد عبارة "ناكر المعروف" ممزوجةً بكثير من الحسرة والألم. تُرى هل جرّبت أو فكّرت في اختيار أسبوع أو ربما يوم من أيّام العام تنفي فيه نكرانك للجميل وتتذكّر فيه أهل الفضل والمعروف ممن اختصّوك ذات يوم ببعض وقتهم أو جهدهم حين كنت بأمس الحاجة لهذا العون والمساندة. وتحت هذا المفهوم ربما تستطيع أن تبدأ بتذكّر أهم الشخصيّات التي كانت إلى جوارك وحولك وأثّرت في بناء شخصيتك وتصويب توجهاتك في سنوات صباك الأولى. ربما تجد مثل هذا الشخص في رحلة الذاكرة ماثلا أمامك حينما التقيته في بواكير العمر على مقاعد الدراسة الابتدائيّة مرشدا صدوقا أو معلما نصوحا تتذكّره اليوم في صورة صاحب رسالة أسهم في إثراء طفولتك بخبراته ومودّته. وربما تجد في ذاكرتك بين هذه الشخصيات من تفضّل عليك بنصيحة ثمينة لحظة تفكيرك في قرار أو تكرّم عليك ببعض مال وقت عوز أو لعلّه قدّم جاهه معك في شأن من شئون الدنيا فغيّر بجميل فعله مسيرتك العلمية والعملية إلى آفاق جديدة. لا أعني بهذا الكلام واجب صيانة حق الوفاء للوالدين، فحقهما عليك لا نقاش حوله فهو واجب شرعي وخلق قويم به تستقيم الأرواح وتصفو الضمائر وتدوم صنائع المعروف عبادة وعادة. ولكن مغزى الكلام هنا يستهدف أشخاصا لم يلزمهم العرف الاجتماعي رعايتك والوقوف معك، ومع ذلك وقفوا وهم لا ينتظرون منك جزاء لقاء دعم خططك ومساندتك في تحقيق طموحاتك. ماذا لو جعلت لك عادة سنوية وتتّخذ من هذا اليوم أو الأسبوع ولنسمّه افتراضا أسبوعا أو يوم الوفاء، ولتكن هذه المبادرة اليوم أو غدا أو ربما مطلع الشهر القادم لا مشكلة فقط جرّب أن تضعها في جدول مواعيدك وخططك القادمة. كل ما عليك فعله هو أن تبدأ بتدوين قائمة صغيرة تحصر فيها أسماء من اثّر إيجابا في مسيرة كفاحك، أو أثرى لحظة مهمة في محطات معينّة من حياتك وبعد أن تنتظم القائمة أمام ناظريك ربما عليك أن تُعمل التفكير في كيفية رد الجميل والتفكير في كيفية إشعار ذوي المعروف أن معروفهم لم يذهب عند الله والناس. تخيّل معي أن معلّما قديما عرفته ولم تنس كم كان مؤثرا في حياتك في مراحل معينة من الدراسة والمراهقة يصطبح غدا أو بعد غد برسالة جوال منك - مثلا - تكتب له فيها بعض مشاعر الوفاء وتقديرك له وأنت تذكره بدوره في نجاحك واستقامتك. تأمل لو أنّك أخذت أبناءك واشتريت هديّة رمزية وفاجأت ذلك الإنسان الذي أحببته يوما وانشغلت عنه، أو ذلك النبيل الشهم الذي طواه النسيان متذكرا معه ومقدّرا له مواقفه وصنائع معروفه وهو يساعدك ورفاقك في شئون الحياة ومطالبها. **مسارات: قال ومضى: لا تخش (الخصوم) فلا أحد ينافسك في (احتكار) وكالة " الوقاحة" (سوى) من (تعلّموا) على يديك.