حقيقة: حينما وضع التلفزيون السعودي قنواته ضمن خارطة البث الفضائي فإنه بذلك قد عرض فكر وثقافة وموقف المجتمع والدولة نحو القضايا والأحداث العالمية ووضعها أمام المتلقي في أي مكان من هذا الكون فلا نلومن إلا أنفسنا حين ينتقدنا العالم. كان حدثاً مهماً بل مفصلياً في مسيرة مجتمعنا المحلي حين افتتحت محطة التلفزيون في بداية الثمانينيات الهجرية، فلقد كانت نقلة خطيرة في طريقة بث المعرفة بين افراد المجتمع خصوصاً تلك الشرائح التي لم تتلق تعليما من أي نوع فأصبح هذا الجهاز السحري هو مصدر معارفهم ووسيلة نقل افكار الآخرين لهم مما ساهم في انفتاح المجتمع على ثقافات العالم فالأفكار والمعارف الجديدة أصبحت تدخل بحرية الى داخل النسق الاجتماعي مما أحدث تفاعلاً بين افراد المجتمع وما يبثه التلفزيون حيث كان المصدر المهم للمعرفة والترفيه في آن وأذكر ان الناس كانت تتسمر لساعات طويلة امام شاشات التلفزيون الذي يبث آنذاك بدون ألوان من اجل ان يشاهدوا المذيع ماجد الشبل في برنامج المسابقات ابجد هوز او زهير الأيوبي وهو يحاور المشايخ في برنامج مجالس الإيمان والشيخ علي الطنطاوي رحمه الله بلغته البسيطة ولهجته الشامية وهو يجيب على اسئلة المشاهدين الدينية والاجتماعية بخطاب ديني متسامح لين ومحبب للنفس ونشرات الأخبار حين يقرأها عبدالرحمن الشبيلي أو غالب كامل وغيرهم، ثم سهرة ليلة الجمعة مع كوكب الشرق السيدة ام كلثوم هذا غير ما يتخلل البرامج من أغان لفريد الأطرش وطلال مداح وفيروز وصباح ومحمد علي سندي، كان أفراد الأسرة كلهم رجالاً ونساءً وشباباً وشيوخاً وأطفالاً يجتمعون أمام التلفزيون للمشاهدة والاستمتاع فقد كان الوسيلة الوحيدة للترفيه ولابد أن المحاورات والمناقشات كانت تدور فيما بينهم حول ما شاهدوه على الشاشة فأحدث هذا الأمر بعض الأنماط الاتصالية الجديدة داخل الأسرة السعودية التي لم تكن تجتمع الا لأجل حدث مهم ومن هنا أعاد التلفزيون ترتيب حتى علاقة افراد الأسر السعودية بعضها ببعض. لن أتحدث عن تاريخ التلفزيون السعودي وأثره في صياغة فكر وثقافة وسلوك المجتمع فالحديث يطول حول هذا الأمر ولكنني رغبت في هذه التقدمة التاريخية التذكير بأهمية الحدث واثر هذه الوسيلة المهمة في رسم صورة عن المجتمع المحلي لدى الآخرين ثم حدث ان تغيّر التلفزيون السعودي بقناتيه وتحديدا بعد حادثة احتلال الحرم على أيدي متطرفين ممسوخي العقول مما حدا ببعض (العيارين) اطلاق اسم (غصب واحد وغصب اثنين) على القنوات المحلية بسبب فرضهما كخيار وحيد آنذاك وكذا نمطية برامجهما وعدم استساغة المتلقين لما يبث فيهما ورحيلهم إلى قنوات خارجية بعد أن انشقت السماء بفضائها الواسع عن آلاف المحطات في بث مباشر غير محدود بأي نوع من أنواع الحجب أو المراقبة..!! خلال تلك الفترة هل كانت هناك محاولات لاستعادة دور التلفزيون السعودي واعادة الثقة فيما يبثه من برامج..؟ الجواب نعم كانت هناك محاولات ولكنها لا تتجاوز الإطار الشكلي إنما المضمون والاسلوب لم يطالهما أي نوع من أنواع التغيير، وأهم جزئية في هذا الشأن تحتاج إلى تغيير شامل هي اسلوب وطريقة ومفهوم نشرات الأخبار .. واليوم أرى محاولات جادة من وزير الثقافة والإعلام مشكوراً ليس فقط لإعادة دور التلفزيون السعودي كما كان قبل أكثر من ربع قرن، بل لمنافسة محطات التلفزة الأخرى في اجتذاب جمهور المشاهدين، الم تشاهدوا برنامج (من الساحل الغربي) الذي بثته القناة الأولى في الأسبوع الماضي وكيف أعاد ذاكرتنا المنهكة الى تلك الأيام الجميلة البريئة..؟؟ واصل يا وزير الثقافة تلك الخطوات التطويرية فالوطن هو من سيربح أولاً وأخيراً.