لعلنا ذكرنا سابقا رؤية للمستشرق الانجليزي بيركهارت في العام 1814 م عند ما وصف الاوضاع في البلدان الخاضعة للدولة العثمانية في الجزيرة والحجاز بالذات تحدث من خلالها عن الفساد عامة الذي وصل إلى اهم اركان الدولة وهو القضاء وذكرنا ان سقوط سلطة القضاء بالمفاسد يعني نذر زعزعة لأركان الأمن والاستقرار خصوصا إذا كان فساداً منظماً يقصد فيه تشويه صورة المؤسسة السياسية أو إسقاطها كما حصل في الحجاز عام 1814م عندما ذكر أن لا أحد يستطيع كائن من كان أن يربح دعوى قضائية إلا إذا كان على علاقة طيبة مع بعض المسئولين، أو قدم رشوة لقاضي المحكمة الذي يتقاسمها مع الحاكم العثماني أو يتغاضى عنها لقاء إذعان القاضي لمصالحه في حالات أخرى . مشيرا إلى ان رسوم المحكمة باهظة جداً وتبتلع عامة ربع المبلغ لرفع الدعوى، في حين تبقى المحكمة صماء أمام الحقوق الأكثر وضوحاً إذا لم تكن تدعمها الهبات التي تقدم إلى القاضي وإلى حشود الموظفين. والخدام الذين يحيطون بكرسيه. ويؤيد الباب العالي هذه الفوضى ويشجعها، حيث يباع مركز القاضي هناك إلى أفضل مزايد يعلم بدوره أنه سيسترد ما دفعه من مكاسب منصبه. ويصبح القاضي الذي لا يعرف سوى القليل من اللغة العربية تحت رحمة مترجمه الذي يعطي التوجيهات والإرشادات إلى كل قاضٍ جديد حول طرق الرشوة الشائعة في المكان ويأخذ حصة كبيرة من الحصاد.. هذه المفاسد ومفاسد أخرى كان من الممكن أن تمتد مع بداية قيام الدولة السعودية الضعيفة آنذاك وتبقى كثقافة وعادات مزروعة في الدولة والمجتمع وتتجاوز حجم السيطرة لولا وقفة الملك عبد العزيز طيب الله ثراه كما يؤكد ذلك المستشرق الانجليزي فيلبي ضمن كتابه اربعون عاما وذلك على اثر اكتشاف بعض السرقات التي طالت ايضا قطع غيار السيارات والمعدات والمحروقات المخصصة لسيارات بعض الوزارات وتجاوزات اخرى قال عنها : أقول مجددا بأن هذه التطورات سيشهدها المستقبل البعيد الذي لا يمكنه الا ان يلقي بظلاله على منحاه الخاضع للتقلبات المتواصلة حتى في الايام الخوالي وعلى صعيد محدود جدا بالمقارنة مع الاموال التي شهدتها الايام الخالية، ظهرت مؤثرات وهمسات تفيد بأن الامور لم تكن تجري بالطريقة التي يتطلع اليها الملك عند ما تراجع نظام الاشراف الجشع أمام فضيلة السعوديين المتأججة، بمعنى ان بعض اهالي المناطق كانوا فترة الحكم العثماني ينعمون بملء جيوبهم بالمنح والرشاوى التي كانوا يحصلون عليها من مناصبهم الادارية، وقد استمرت العقلية التجارية لسكان مناطق الجزيرة العربية في فتح عيونها على السبل والطرق الحكومية المتعددة التي يمكن من خلالها معرفة مجرى المكاسب البسيطة التي كانت تصب في جدول عائدات الدولة المتواضع. ومن اجل تقديم تفسير لهذا التحول الذي طرأ على كافة الاعمال الهامة التي تحقق الثراء السريع.. أعرض حادثة بسيطة وقعت في جدة : عثر في أحد خزانات مياه الشرب على ( أفعى ) تعرف بأفعى الماء معروف بأنها تتواجد بكثرة في مياه البحر الضحلة اذ كانت الطبقات الفقيرة تعتمد عليها بصفتها غذاء رئيسيا . وعليه تم أتخاذ قرار صائب بأن المياه لم تكن صالحة للاستهلاك الادمي. وعليه أهدرت تلك المياه وقيدت تكلفتها على مصاريف أجهزة التحلية، قامت وزارة المالية بالتحقيق في تلك المسألة ووجدت في تقرير المهندس البريطاني المسئول أن مياه الخزانات تلك كانت مأخوذة مباشرة من مياه البحر وانها وضعت في الخزانات ( دون تحليتها ) وتم تشغيل المحركات لتبريدها. ثم تبين ان المدير المسئول كان قد وضع في جيبه قيمة خمسين طناً من المياه المحلاة اذ كانت قيمة الطن الواحد تصل إلى خمسة شلنات ومما لاشك فيه ان هذه الامور لم تكن واردة في الجزيرة العربية لقد تم تطهير المناطق التي عرفت بالفساد الخلقي الذي خلفه الاتراك والاشراف . واصبحت التجاوزات التي تقترف بشكل مخالف للشريعة الاسلامية تلقى أشد العقوبات . ومن ناحية أخرى وفي ظل حدود واضحة ومحددة لم يكن لابن سعود أن يتهاون في أي تدخل في الدين أو أي نقد للممارسات المنصوص عليها في الشريعة الاسلامية ومثال ذلك الفساد والعبودية واتخاذ المحظيات وتعدد الازواج وما إلى ذلك. حكم بن سعود شعبه بالشريعة الاسلامية ولابد ان تكون الشريعة هي القانون الذي يحكم على اعمالهم. كان بن سعود نزيها وثابتا على الايمان الراسخ بأن كل ما فرضه الله في القرآن لهداية واصلاح البشرية هو أمر ملزم مهما فكر أو اعتقد الضالون . وذلك يشمل امور التحريم كما يشمل امور الفسق . كان بن سعود صادقا مع نفسه وصادقا مع العالم وصادقا مع ربه.. فيلبي