ظلت المدينةالمنورة والتي تعد مفتاح الحجاز ومنذ فجر الاسلام ولاية منفصلة بذاتها وعندما اصبح الحجاز خاضعا لسلطة الخلفاء عينوا على المدينة حكاما مستقلين عن حكام مكةالمكرمة وحتى بعد ان خفت سلطة الخلفاء مارس حكام المدينة النفوذ نفسه , وحين اعتلى العثمانيون العرش التركي ارسلت فرقة من الجنود إلى المدينة تحت إمرة ( آغا ) يكون آمر المدينة العسكري بينما يتولى شيخ أو آغا الحرم الشريف شؤون الحكومة المدنية ويتمتع بالمنزلة والصلاحيات نفسها التي يتمتع بها الباشوات في المناطق الاخرى الا انه في فترة من الفترات عمت المفاسد والتعسفات وأسيئت السلطة فلم يعد السلطان يعين حاكما عسكريا فاضطر الاغا الذي كان يحتل القلعة إلى تشكيل قوة من الداخل سميت بقوة ( المرابطين ) لدعم وتقوية فرقة الاغا وتعزيزها والذين اصبحوا يغتصبون حصة من الصرة أو المخصصات السنوية التي ترسل من القسطنطينية إلى الحرم الشريف والمدينةالمنورة. في ظل الظروف المذكورة أعلاه وفقا لما يذكره المستشرق الانجليزي بيركهارت عام 1814 م في كتابه رحلات إلى شبه الجزيرة العربية : فقد اصبح أغا الحرم إلى جانب القاضي الذي كان يرسل من القسطنطينية سنويا مجرد صفرين لا شأن لهما وكان الأول أحد الخصيان الذي لا يعرف شيئا من اللغة العربية ويحصل على تعيين في هذا المركز بدافع النفي لا الترقية ولم يكن دخله الذي يتلقاه من القسطنطينية يمكنه من وضع أي حرس عسكري يكفي ليضعه في مستوى خصمه أغا المدينة على الرغم من أن دخله كان يعتبر جيدا وسرعان ما وجد نفسه متروكا في عهدة المسجد فقط وإمرة الخصيان والفراشين لكن آغا المدينة نفسه لم يكن سيدا مطلقا حيث كان للعديد من زعماء الاحياء المختلفة سلطة كبيرة وكان للاشراف الذين استوطنوا هنا زعيمهم الخاص ويدعى شيخ السادات وهو رجل ذو سلطة ونفوذ عظيمين فعمت بالتالي الفوضى العارمة غالبا ماكان سكان الضواحي وأهل المدينة والمزارعون يتنازعون لاشهر عدة فكانت تنشب داخل المدينة نفسها صراعات دموية بين سكان الاحياء المختلفة فكانوا يسدون الطرقات احيانا بمتاريس في مثل هذه الظروف ويطلقون النار على بعضهم بعضا من على سطوح منازلهم وتروى أحداث عن أناس قاموا بإطلاق النار داخل المسجد حتى على أعدائهم بينما كانوا يصلون . خلال السنوات العشرين المنصرمة ( نحن الان عام 1814 م ) تم تعيين آغا للقلعة وهو رجل اسمه حسن مما أعطاه لقب حسن القلعي انما رفعه إلى هذا المنصب رغم ولادته بين حثالة من الناس هو مهارته ومكره وبسالته وعزمه الشديد , لقد كان رجلا ذا قوام قصير جدا ومشية مترنحة فرحة على الرغم من قوته الجسدية ويقال ان صوته حين يكون غاضبا كان يبث الرعب في نفوس أجرأ الناس , وبعد عدة سنوات من الصراع العنيف نجح هذا الرجل في ان يصبح سيدا مطلقا وطاغية في المدينة وكان يحتفظ بحرس من أهل المدينة والبدو والمغاربة ويضعهم في خدمته كما كان رعاع المدينة إلى جانبه وكان مجرما يمارس اشد الأعمال إثما وفظاعة وظلما فكان يقمع الحجاج وينتزع المال منهم ويستولى على أملاك كل الحجاج والأجانب الذين يموتون هنا ويقوم بمصادرتها ويوقف الصرة فيجمع ثروة طائلة وقد سجلت أحداث على الاستبداد والطغيان والعنف التي صبغت اسمه بالعار فقد كانت أرملة مسنة ثرية قد وصلت مع ابنتها إلى المدينة من القسطنطينية لزيارة القبر فقام بالقبض عليها وأرغمها على الزواج منه وبعد يومين وجدت ميتة فاستولى على أملاكها وبعد وقت قصير أجبر الابنة على الخضوع والاستسلام ولمعانقتها وقدمت العديد من الشكاوي في القسطنطينية على هذا الرجل لكن لم تكن للسلطان السلطة الكافية لعزله وكلما كانت القافلة تصل من سوريا كان حسن القلعي يظهر مسلكا جليلا مهيبا كي لا يحاول زعماؤها القيام بأي عمل ضده ولكنه كان يضع العقبات والحواجز الكبيرة في طريقهم وينسب اليه عامة بأنه أرغم القافلة الأخيرة الآتية من دمشق والتي حاولت ان تكمل رحلتها بعد الاحتلال (الوهابي) العودة إلى سوريا . حين بدأ( الوهابيون) بشن غارات على الحجاز وتوجيه قواتهم نحو المدينة اصبح سلوك حسن أكثر عنفا فلم يضع حدودا لقمعه وظلمه خلال اليومين أو الثلاثة ايام التي سبقت الاستيلاء على المدينة , كان أحيانا يحكم بأشد العقوبات على الأشخاص الذين يصادف ان يضحكوا بين أنفسهم خلال مروره مدعيا ان مشيته المترنحة العرجاء هي سبب ضحكهم , وكان العرب الذين يعملون في خدمته ينهبون المتاجر ليلا وهم يقومون بدوريات في الشوارع في مجموعات كبيرة ولم يكن بالإمكان محاكمتهم , وحين رأى استحالة صمود المدينة لمدة اطول في وجه (الوهابيين) , بعد أن قام بدو المناطق المحيطة ومكة نفسها كلهم بالاستسلام سلم المدينة إلى الإمام سعود، بشرط ان يستمر في سلطته .