في حلقة ماضية تحدث الرحالة الانجليزي بيركهارت في كتابه رحلة إلى شبه الجزيرة العربية عن الفساد القضائي في الحجاز في عهد السلطان العثماني عام 1814م مشيرا إلى ان القاضي يرزح في كل مدينة تحت النفوذ المباشر للحاكم الذي ترك ليستبد كيفما شاء طالما أنه يرسل إعاناته المالية إلى الباب العالي. ولا يستطيع أي كان أن يربح دعوى قضائية إلا إذا قدم رشوة إلى القاضي الذي يتقاسمها مع الحاكم أو يتغاضى عنها لقاء إذعان القاضي لمصالحه في حالات أخرى. كما أن رسوم المحكمة باهظة جداً وتبتلع ربع المبلغ لرفع الدعوى، في حين تبقى المحكمة صماء أمام الحقوق الأكثر وضوحاً إذا لم تكن تدعمها الهبات التي تقدم إلى القاضي وإلى حشود الموظفين. والخدام الذين يحيطون بكرسيه، حيث يباع مركز القاضي هناك إلى أفضل مزايد يعلم بدوره أنه سيسترد ما دفعه من مكاسب منصبه وفي هذه الحلقة نستعرض ما ذكره الرحالة عن انشغال الحكومة آنذاك بالتجارة وتجميع الثروات عن شئون الدولة في قوله. ويأتي دخل الشريف بكل أساسي من الرسوم الجمركية التي تدفع في جدة. والتي كما سبق أن ذكرت، وبدل أن تكون مقسمة بين الشريف وباشا جدة، حسب نوايا الحكومة التركية، كان يستولى عليها الأشراف الآخرون كاملة، وهي الآن تحت سيطرة محمد على. وقد زاد غالب كثيراً الرسوم الجمركية في جدة، وهي نفسها كتلك التي تجبى في كل جزء من الامبراطورية التركية وقد كان ذلك السبب الرئيسي الذي دفع مجموعة التجار كلها إلى معارضته. كما رفع حصته الشخصية من التجارة بدرجة كبيرة جداً. حيث كانت توظف ثماني سفن تابعة له في تجارة القهوة بين اليمن وجدة ومصر. وحين يعاني بيع هذه السلعة من البطء والركود، كان يجبر التجار على شراء حمولاته لقاء مبالغ نقدية وبسعر السوق، بهدف إرسال عائدات من الدولارات إلى اليمن في أقرب وقت ممكن. وكانت تقوم سفينتان من أكبر سفنه (كانت واحدة منها من صناعة إنكليزية، وتزن ثلاثمائة أو أربعمائة طن، اشتراها من بومباي) برحلة سنوية إلى بلاد الهند الشرقية، وكانت الحمولات التي تأتيان بها إلى البلاد، تباع في الحج في مكة أو تقسم بين تجار جدة الذين يجبرون على شرائها. إلى جانب مرفأ جدة، كانت تفرض في مرفأ ينبع حيث كانت للشريف حاكم ضرائب مماثلة. كما كان يجبي ضريبة على المواشي والمؤن كلها التي كانت تنقل من داخل البلاد إلى جدة، كما على تلك التي كانت تنقل إلى مكةوالطائف وينبع، باستثناء ما كان يأتي مع قافلتي الحج الكبيرتين من الشمال اللتين كانتا تمران أينما كان من غير ضرائب. ولا يدفع سكان مكةوجدة أي ضرائب أخرى غير تلك التي ذكرت للتو، إذ إن منازلهم وأملاكهم كانت معفية من الرسوم الأخرى كلها وهي مميزة لم يقدروها حق قدرها، رغم أن بوسعهم إجراء مقارنة بينهم وبين جيرانهم في مصر وسوريا. وكانت الفروع الأخرى من دخل الشريف عبارة عن الأرباح الناتجة عن بيع المؤن في مكة التي كان يمتلك منها مخزوناً مهماً سوق جدة عام 1917م جداً رغم أنه لم يحتكرها كما الناتجية عن بيع المؤن في مكة التي كان يمتلك منها مخزوناً مهماً جداً رغم أنه لم يحتكرها كما فعل محمد على، ولكن مخزونه الكبير مكنه من التأثير في الأسعار اليومية، فضلاً عن ضريبة الأعناق المفروضة على الحجاج الفرس وكذلك الهدايا الجمة التي كانت تقدم له مجاناً أو تلك التي كان ينتزعها من الحجاج الأثرياء الآتين من كل البلاد. وكان الشريف يستولى على مقدار كبير من المال الذي كان يرسل من القسطنطينية إلى المدينة المقدسة والمسجد لخزينته الخاصة. ويقال أنه كان يأخذ حصة الهدايا كلها التي كانت تقدم إلى المسجد. وكان غالباً يملك أرضا شاسعة، فالعديد من البساتين حول الطائف والمزارع في وادي الحسينية ووادي فاطمة ووادي ليمون ووادي مديك medyk كانت ملكاً له. وكان له في جدة العديد من المنازل والفنادق التي كان يؤجرها للأجانب، وكان يشبه جداً خلفه محمد على، بحيث أصبحت الأرباح التافهة والضئيلة جداً مسألة ذات أهمية لدية، فكان يوجه اهتمامه باستمرار نحو تجميع الثروة. وقد يبلغ دخل غالب السنوي، خلال أول حكمة وسلطته، ما يقارب ثلاثمائة وخمسين ألف جنيه استرليني.