توالي اتصالات وزيارات في أقل من عشرة أيام شملت رسالة خادم الحرمين إلى الرئيس الأمريكي نقلها سمو وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، وزيارة رئيس وزراء بريطانيا، وأيضاً زيارة رئيس وزراء الصين للمملكة اليوم السبت، وزيارة وزير الخارجية الياباني في الأسبوع الماضي، وزيارة وكيل وزارة الدفاع التركية، وزيارة نائب رئيس الوزراء وزير خارجية مالطا، وكذا زيارة مساعد وزير الخارجية الأمريكية السفيرة ويندي شيرمان للشؤون السياسية، ومساعد الوزيرة الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى، واتصال رئيس وزراء اليونان بخادم الحرمين، أيضاً زيارة زعيم الأغلبية بمجلس النواب الأمريكي إيريك كانتور للمملكة، وكذا زيارة السناتور جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي.. هذا العدد الكبير في سجل زيارات متعددة الدول، وفي زمن وجيز له مضامينه المختلفة عن زيارات أي دولة أخرى، بل لا يتوفر اختلاف التعدد وكثافته لأي دولة أخرى.. زميل صحفي أعطى تبريراً ساذجاً.. قال: دائماً عند إعلان الميزانية السعودية يأتي هذا التوافد.. وهو تعبير غير صحيح إطلاقاً؛ لأن الميزانية تخص المجتمع السعودي وليست فائضاً نقدياً يأتي ليستفيد منه مسؤولون في جمعيات إنسانية مختلفة الهويات.. آخر قال: لا شك أن ظروف الشرق الأوسط كانت وراء هذا التوافد.. وهو تبرير مقبول نسبياً، إلا أن المملكة أساساً لا تقبل التدخل في أوضاع الشرق الأوسط الشائكة، فهي بعيدة عن المسببات.. لكن التعبيرين يوضحان سذاجة حضور الوعي، وأن إدراك حقيقة مضمون الأهمية السعودية غير سائد في مدار المفاهيم.. دائماً نأخذ شواهد الشخصية الاجتماعية عن نوعية كفاءاتها بأنها آتية من تداول مفاهيم اختلافات دينية أو مرتبطة بمؤثرات سلبيات عربية.. نحن في بلادنا حقيقتنا الأولي التي تهم العالم - وبالذات دول الواجهة الحضارية - أننا نمثل شخصية حضور اقتصادي علمية، وأن تفاعل الاتصالات بين مختلف القدرات الاقتصادية سواء عبر تبادل مصالح متعددة النوعيات أو تلازم مصالح دولية كل طرف عندما يأخذ فهو من جانب آخر يضيف.. أي هي مصالح متبادلة.. تأهيلنا لبروز شخصيتنا الاقتصادية رغم كفاءة حضوره محلياً ودولياً إلاّ أنه في مسار المفاهيم المنغلقة أشبه ما يكون بقسم خاص نطل عليه ولا ندخل فيه.. هذا من حيث الوعي.. لكننا - وهذه نعمة من الله - أصبحنا خارج جمود الشرق الأوسط وتدني كفاءات قدراته الاقتصادية إلى صعود مرموق نحو زمالات تبادل علمي واقتصادي عالمي متفوق الكفاءة والنتائج، حتى كأن حضورنا الاقتصادي والعلمي ليس إلاّ جانباً خاصاً بينما هو في الواقع يمثل شمولية واقع تطور متى تفهمناه وتوجهت حواراتنا إليه فذلك يعني أننا في واقع حضاري جديد بدأ لدينا منذ أكثر من خمسين عاماً، وكنا ننظر إليه وكأنه وديعة غير محلية، لكن ما فرضه الملك عبدالله من انطلاقات متعددة الأهميات اقتصادياً وعلمياً يفرض علينا مباشرة الممارسة والولاء بعيداً.. بعيداً.. عن أي تكرار لافتعال نزاعات طائفية لا تتوقف عند توزّع مذهبي، بل إن السنة توزعت فيها المفاهيم بشكل مزعج وغير موضوعي، أو انتماءات مناطقية.. هذه الرؤية سرداب قديم كان يجب علينا الخروج منه بواسطة الوعي منذ زمن قديم.. طبعاً هذه الشخصيات السياسية المرموقة والمتعددة الهويات لا يمكن أيضاً أن تعطي كثافة الحضور لبلد معين إلاّ وأن هذا البلد، إضافة إلى مكانته الاقتصادية والعلمية، هو في حصانة استقلالية موضوعية سواء أمام أحداث الشرق الأوسط أو عبر امتدادات العالم..