قبل عام تقريباً كنت في زيارة لمعرض كتاب أقامته دولة خليجية، ولفت انتباهي أن أعداد مَنْ تفرّغهم أتوبيسات نقل من الشباب وأخرى من الشابات.. طلبة وطالبات.. يزيد على عدد الزوار.. كتبت عن هذه المناسبة.. وتمنيّت لو عبّر مجتمعنا عن انفتاحه وعياً وثقافة بوجود كل فئاته في مثل هذه المناسبة الجماعية.. يوم أمس كنت والزميل يوسف الكويليت والزميل راشد الفهد نتواجد في المعرض الدولي للتعليم العالي بمدينة الرياض.. كان الحضور.. سيدات وطالبات ومواطنين وطلبة ومختلف الفئات.. قد تدفع بك المبالغة فتقول إنه أكثر من سكان دولة خليجية.. تواجد مذهل وتراص عجيب لمواقع أكثر من ثلاث مئة جامعة عالمية.. نعم ثلاث مئة جامعة عالمية موجودة في قلب مدينة الرياض داخل المعرض، تدير بعض المكاتب سيدات، وبعض آخر بتواجد مديرين رجال.. ثلاث مئة جامعة مرموقة من أشهر مواقع المعرفة والعلم في العالم.. كيف أتت إلى هنا.. تم حجْز المكان لخمسة أعوام قادمة سيتنوع فيها هذا الحشد العلمي المرموق، وتم توقيع عقود كثيرة ترحيباً باستئناف المناسبة.. بحضور معالي الوزير ونائبه وعدد من المسؤولين في التعليم العالي أعجبني أن يكون هناك حضور آخر للمسؤولين عن الابتعاث في معظم الدول المتقدمة علمياً.. لا أستطيع أن أسرد الأسماء، فالأساتذة الذين قابلتهم كثيرون.. لكن الكل جعلوا أنفسهم موظفي أداء قيادي يشرح ويوضح ويتفقد جودة الأداء.. ما حدث في المعرض من موجودات وحضور علمي وما يدل عليه التواجد الاجتماعي.. كل ذلك ليس ابتداعاً ولا تغيراً سريعاً في حقيقة ثقافة المجتمع.. بل هذه هي حقائق الواقع التي وضعها الملك عبدالله في مكانها الصحيح.. مَنْ يريد أن ينطلق بالاقتصاد وحده فهو إنما يفتح الطريق أمام فئة اجتماعية واحدة وتبقى الأكثرية في تخلّفها، ومَنْ يريد أن يكرّر ركود التقليدية التعليمية فهو في الواقع يحافظ على رتابة البقاء بعيداً عن الجديد المعرفي.. لكن مَنْ يجمع المنطلقات الثلاثة في موكب تحرك إلى الأمام.. الصناعة والاقتصاد وميلاد المجتمع المعرفي.. فإنه يغلق أي مسار للإعاقات ويخرج من طابور زمالات التخلّف العربي إلى رحابة الحضور العلمي في عضوية تقدم معرفي ليس من السهل أن يمثّلها أي مجتمع آخر تعيقه قدراته الاقتصادية أو مستويات وعْيه.. مَنْ لم يذهب إلى المعرض الدولي الهائل الذي شاهدته يوم أمس فإنه بالسماع أو القراءة لن يتعرف بدقة على جزالة الرصد الهائل لجيل الشباب.. بل موكب الطفولة الجديد من منطلقات توجّه نحو اكتمال المعرفة داخل عضوية زمالة دولية مشرّفة.. ثلاث مئة جامعة دولية مرموقة يسجل وجودهم حقيقة زمالتهم.. أكثر من خمسة وثلاثين جامعة محلية يؤكد تضاعف عددها كل عام وتضاعف خريجيها أن عشر سنوات فقط ستعرفنا على جزالة الوعي في مجتمع المعرفة.. تحية تقدير صادقة لوزارة التعليم العالي بما أنجزته، وبحجم تواجد كبار مسؤوليها في مختلف مواقع المعرض الدولي للتعليم العالي..