الرياضة أصبحت حاضراً صناعة، لذا لم تعد متابعتها مقتصرة على الرياضيين، هناك آخرون ليسوا بالوسط الرياضي وأصحاب مسؤوليات كبيرة ومهام بعيدة عن الرياضة، لكنهم يعشقونها حديثاً أو منذ فترة. الوجه الآخر الرياضي لغير الرياضيين تقدمه "دنيا الرياضة" عبر هذه الزاوية التي تبحث عن المختصر الرياضي المفيد، وضيفنا اليوم هي الشاعرة والناقدة ورئيسة القسم الثقافي في جريدة (القبس) الكويتية سعدية مفرح: * الشاعرة سعدية مفرح لفتت الأنظار إليها مع مطلع تسعينيات القرن المنصرم، ضمن جيل شعري بزغ نجمه في هذا العقد؛ لكن هذا التوقيت تحديداً واكب أفول نجمي الرياضة والفن في الكويت، وهما اللذان كانا يشعان بإبهار في سماء الخليج في العقود التي سبقته، فكيف ترين هذه المقاربة؟ لا أريد أن أعلق ذلك على شماعة الغزو، كما يفعل الكثيرون في الكويت وهم محقون جزئيا؛ ولكنني أود في البداية أن أعترض على مصطلح الأفول. نجما الفن والرياضة لم يأفلا بالكامل في الكويت، بل خفت وهجهما قليلا وحسب.. وأحيانا يبدو ذلك أكثر وضوحا فقط لأننا نقارنه بالتطور الذي حدث على صعيد هذين القطاعين في الدول الخليجية الأخرى. يكفي أن اذكر لك أن الكويت مثلا فازت بكأس الخليج أربع مرات خلال العشرين عاما الماضية، وأنا أذكر كرة القدم هنا لأنها الحالة الرياضية الأوضح كمقياس في الخليج. لسعات (الأزيرق) ستعود أقوى من قبل.. وجاسم يعقوب أشهى في حضوره وغيابه أما في الفن فلعلك تلاحظ أن المسلسلات الكويتية (التي أصبح يطلق عليها الخليجية) هي الأكثر انتاجا وانتشارا وجودة أيضا على الصعيد الخليجي، وهو حال ينطبق على المسرح. طبعا هذا لا يعني أننا بأفضل حال، لكنه يعني أن الوضع ليس بالسوء الذي يتصوره البعض عندما يقارنه فيما مضى وفي التطور السريع لما هو مجاور. * بين عقدي السبعينيات والثمانينيات عاشت الكويت جذوة حضورها في كل مجالات التنمية، ومنها الفنون، والآداب، وكذلك الرياضة، لكنها اليوم تكاد تنطفئ، فما القاسم المشترك في ذلك؟. أكرر ما قالته في إجابتي السابقة وأزيد أن السبعينيات بالذات كان هو العقد الذي شهد مرحلة قطاف ثمار التأسيس الثقافي والرياضي في الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم. كان المجتمع كله ينهض وكان الجناح الثقافي يطير بالجميع نحو أفاق واسعة. ولا أريد هنا أن أغفل أن الحالة السياسية التي تمثلت في صعود التيارات المتأسلمة ليس في الكويت وحسب بل في الوطن العربي كله ساهمت الى حد كبير في إهمال الجانب الفني والأدبي لصالح اهتماماتها الدعوية ربما؛ لكنني أرى الآن في الكويت بدايات نهضة أخرى أدبيا وفنيا ورياضيا أيضا تقاوم التيارات المناهضة بقوة ووعي. * لا تغفلين في مقالاتك الكتابة بين حين وآخر عن بعض الأحداث الرياضية؛ لكنك تخاصمينها حين يحضرك وحي الشعر، فلا نراك تحتفين بالإنجاز الرياضي شعراً؟ لاأقصد الكتابة عن أي موضوع أو حدث وأنا بصدد كتابة القصيدة. فالقصيدة تختار موضوعها بنفسها دائما. وكثيرا ما كان يحدث في بداياتي أنني أتقصد كتابة قصيدة عن موضوع معين فأجدني عندما انتهي منها وقد كتبت عن موضوع آخر، وحين أنجح في الاحتفاظ بموضوعي المختار فغالبا ما تأتي القصيدة غير مرضية، وكأنني أكتبها بافتعال واضح. أحيانا ترد خواطر من الحالة الرياضية في كل ما أكتب، وفي مجموعاتي الشعرية ربما تلمح بعض الأطياف المتكئة على تلك الحالة. لا أدري ربما ستختار قصيدتي يوما ما مناخا رياضا لتتكون من خلاله.. من يدري؟! * في قصيدتك "غيابات مأهولة بالموت" كتبتِ: "غياب صاخب بين صيحات المشجعين المدوية وتأوهات الكرة تتدحرج نحو الشباك الجائعة ينتشي بالوطن للمرة الوحيدة التي تتكرر فينزرع في الهواء المثقل بانصباب العرق والأهداف المهدرة وصافرة الحكم يسجل الهدف ويغرق بالنشوة الجديدة ويتلاشى في صيحات الخاسرين" ترى ما الذي رميتي إليه عبر هذا التشبيه التمثيلي المثقل بالحمولة الكروية؟ حسنا.. قبل أن أجيبك على السؤال، أذكرك أن هذه القصيدة تصلح لأن تكون إجابة عن سؤالك السابق، ها هو طيف من أطياف الحالة الكروية يلم بأعطاف قصيدتي ربما من دون أن أتذكر. لا أستطيع إلا أن أقول إنها مقطع من قصيدة مكونة من عدة مقاطع، كل مقطع منها يتحدث عن حالة من حالات الغياب التي يمر بها المواطن أو اللامواطن غالبا. * (الأزرق) الكويتي الذي كانت زرقته تتمدد خليجيا، فقارياً، حتى غطت سماء العالم في مونديال إسبانيا 1982، تحول فجأة إلى (أزيرق)، فما السبب في رأيك في انكماش تلك الزرقة، ومن المتسبب؟ الزرقة لم تنكمش يا عزيزي، وما زالت تلون فضاءات الكرة الخليجية والعربية والقارية أيضا .. وقريبا ستستعيد مساحتها التي انحسرت قليلا عالميا. كل ما في الامر أن هناك بعض الظروف الإدارية التي نجمت عنها معوقات فنية تسببت في تعكير اللون الأزرق قليلا. لا أتهرب من قدساويتي.. و(البدون) ليسوا علامة فارقة في المنتخب الكويتي وعلى فكرة أنا لا يعجبني أن يفهم البعض أن " الأزيرق" هو تصغير ل "الأزرق"، فهو في الواقع اسم لطقس شتوي قارس البرد معروف في صحراء الجزيرة العربية باسم الأزيرق، وكل من لعب مع الأزرق يعرف تماما طبيعة لسعات برد الأزيرق القاسية. * أنت ابنة جيل واكب إبداعات نجوم الكرة الكويتية كجاسم يعقوب، وفتحي كميل، والعنبري، والحوطي، والدخيل، فمن من بين هؤلاء يمكن أن تقولي له: "وحين تغيب .. يكونُ حُضورُ غِيابكَ أشْهى وحينَ يَغيبُ الغِيابُ يكونُ حُضورُك أَبهى" وذلك كما قلت في قصيدتك "تغيب فأسرج خيل ظنوني"!؟ كل من ذكرت من أسماء ينطبق عليهم القول، لكن لجاسم يعقوب بالذات مكانة في ذاكرة كل كويتي تجعل من حضوره حضوراً للكويت في أحد أجمل صورها الرياضية تاريخيا. شخصيا أنا كنت أحب طريقة فيصل الدخيل في اللعب، وما زلت أتابعه وهو يحلل المباريات في بعض الفضائيات كما يليق بتاريخه الملكي في الكرة، لكن هذا لا يجعلني أتردد في اختيار جاسم يعقوب كإيقونة للعبة كرة القدم بل للرياضة في الكويت والخليج العربي كله. * تشجعين برشلونة الأسباني ولا تتأخرين في تغريداتك عبر (تويتر) من تهنئة "قبيلة البرشلونيين" كما تطلقين على عشاق النادي الكتالوني، حتى أن أحدهم أطلق عليك لقب "شيخة مضارب بني برشا"، فكيف ترين هذا اللقب الجديد؟ يطلقون علي ألقابا كثيرة في تويتر وكلها تتعلق بالبرشا، وتزيد كمية الألقاب مع كل مباراة جديدة للفريق الكاتالوني. طبعا كلها ألقاب وليدة اللحظة وهي مدعاة للضحك والفرح العفوي المشترك بين جماهير البرشا ممن يتابعونني على (تويتر)؛ لكنني عادة لا أحب الألقاب وأرى أنها تضع الشخص الملقب بها في زاوية ضيقة من الاهتمام. * لا تتأخرين في (تويتر) من التغريد رياضياً، فهل ذلك يندرج تحت عشقك للرياضة، أم رغبة في توسيع قاعدتك الجماهيرية بالجلوس في مدرج كرة القدم؟ أنا نشأت في أسرة تحب الرياضة كثيرا، وكانت مشاهدة المباريات عبر شاشة التلفزيون مثلا ،إحدى متع والدتي رحمها الله القليلة في هذه الحياة. وبالتالي فإن عشقي للكرة واهتمامي بها ليس طارئا في زمن (تويتر)، وسبق أن كتبت بعض المقالات، منها ما نشرته هنا في جريدة «الرياض»، عن كرة القدم قبل أن يظهر (تويتر) بسنوات؛ بل لعلك لا تعلم أن الكثيرين من الأصدقاء والزملاء ينتقدونني كلما رأونني "أغرد" في فضاء (تويتر) أو (الفيس بوك) عن الكرة، وبعضهم يرى أن هذا الأمر لا يليق بالمثقفين. طبعا أن أرفض هذا الرأي تماما، فالفرح العفوي الذي أشعر به أثناء مشاهدة المباريات يلغي كل نظريات المثقفين المنعزلين ببضاعتهم الثقافية عن الناس. لا أرى نفسي مثقفة إن كان من شروط الثقافة أن أقنن الإعلان عن لذائذي الصغيرة في الحياة ومنها لذة متابعة المباريات الكروية والشعور بالإثارة أثناء ذلك. * قلت ذات حوار بأنك تتابعين بعض المباريات فترين أنها تشبه القصيدة، فمن هو اللاعب الذي يستحق في نظرك بفنه الكروي لقب شاعر العالم؟ نعم .. قلت ذلك فعلا، وما زلت أقول إن بعض المباريات تشبه أجمل المعلقات الشعرية، وأشعر أحيانا بحركة لاعب معين وهو يتلاعب بالكرة في طريقة للمرمى مفعما بالحيوية والفرح والذكاء أيضا، وبالتأكيد فإن كثيرين يمكن أن أراهم في هذه الحالة الشعرية، لكنني أستطيع أن أشير الى أميزهم ، ففي السابق كنت أرى مارادونا هو شاعر الكرة، وبدرجة أقل منه قليلا ميشيل بلاتيني. أما الآن فالفتى الذهبي ميسي هو الشاعر، لكن في لمحات كثيرة ينافسه في تلك المرتبة الشعرية اللاعب ذو اللعب الأنيق (تشافي). * في السعودية تهرب الشخصيات الاعتبارية من مصيدة التصنيفات الرياضية، فيتهربون من ميولهم؛ خصوصاً حينما تنكفئ على ثنائية الهلال والنصر، أو الاتحاد، والأهلي، فهل تمتلك سعدية مفرح الشجاعة لتعلن عن ميولها الرياضية كويتياً؟ ومَن مِن معارفي وقرائي في الكويت وربما خارجها لا يعرف أنني قدساوية؟ الذي يشجع ناديا بشكل حقيقي لا يتهرب من إعلان ناديه المفضل كما أرى. * أنت من فئة (البدون) لكنك دائماً ما ترددين: "نعم أنا بلا جنسية، لكنني لست بلا وطن"، وهو ما نستشعره في كل حضورك الإنساني؛ إذ تتجلى الكويت، في كل زفرة من زفراتك؛ ولكن هل لنا أن نتعرف على مساحة (الأزرق) الرياضي في قلب سعدية مفرح؟ الأزرق الرياضي يحتل كل المساحة الممكنة في قلب سعدية مفرح أثناء أي بطولة. وفي كل مباراة للأزرق تتحول كريات دمي الحمراء والبيضاء الى اللون الأزرق وحده. * من مؤيد الحداد النجم الشهير، إلى سعد كميل الحكم العالمي، وحتى فهد العنزي النجم الصاعد، وبينهم الكثيرون ممن مثلوا خط الدفاع الأول عن الرياضة الكويتية وهم من فئة (البدون)، فكيف تتعاطين كإنسانة وكناقدة وشاعرة أيضاً مع هذه الحالة الرياضية اللافتة؟ كل من يلعب وهو يلبس فانيلة الازرق هو كويتي الهوى والهوية والشعور والوجدان، فعليا ورسميا. ولا أحد في الكويت ينظر لهؤلاء الا باعتبارهم كويتيين، ورغم أنها حالة لافتة كما قلت إلا أنها حالة مستجدة. * ثمة من يرى الشعراء والمثقفين بأنهم مصابون بأزمة ثقة مع جماهيرهم في قبالة جماهير كتاب الرياضة الذين يحظون بجماهيرية طاغية، في ظل لعبة الميول والتعصب فإلى أي مدى تصدق هذا الرؤية؟ لا .. ليست صادقة في المطلق. أو دعنا نقول إنها غير دقيقة. ومن الخطأ ان تجرى مقارنة كهذه أصلا. وما قلته عن جماهير الرياضة وحضور المناسبات الثقافية ينطبق أيضا هنا، فلكل مجال نوعية معينة من القراء وهذا لا يعني أن قراء هذا المجال أفضل من قراء ذاك مثلا، ولا يعني ان كتاب الرياضة أكثر جماهيرية من غيرهم، وان كانت الصورة تبدو هكذا أمامك فهي كذلك في سياق المهتمين في الرياضة وحسب، ولو سألت قارئا غير مهتم بالصحافة الرياضية لما عرف ربما أكثر من اسمين أو ثلاثة منهم. * يصف الناقد السعودي محمد العباس أغلب النقاد الرياضيين بأنهم "كتّاب مقالات صفراء بأقلام مستأجرة وضمائر منتهية الصلاحية"، فإلى أي مدى تتفقين أو تتخلفين مع رؤيته كناقدة؟. أختلف معه تماما، فأصحاب المقالات الصفراء بالأقلام المستأجرة لا يتواجدون في الصفحات الرياضية إلا بنفس نسبة تواجدهم في الصفحات الأخرى. * أخيراً.. لو شكلنا مجازاً منتخباً خليجياً من الشاعرات، وكان لك الخيار في ترشيح مدير للمنتخب، ومدرب له، وقائد عليه، فمن ستختارين؟ مديرة المنتخب ستكون الشاعرة السعودية فوزية أبو خالد، أما المدربة فهي الشاعرة البحرينية حمدة خميس، وسنترك مهمة القيادة للشاعرة الكويتية سعاد الصباح.