قد تتباين الأرقام ولكن القصص التي تروى تظل كما هي: 2000 امرأة أو 300 ألف أو 400 ألف اعتمادا على المصدر) تعرضن للاغتصاب في حرب عام 1971 التي انفصلت فيها شرقي الباكستان عن باكستانالغربية تحت مسمى بنغلاديش. وتقارن الناشطة النسائية الأميركية سوزان براونميللر، التي استشهدت في كتابها «ضد إرادتنا: رجال ونساء واغتصاب» بالأرقام الثلاثة ،بين اغتصاب النساء البنغاليات والنساء الصينيات على أيدي الجنود اليابانيين في نانجينغ بين عامي 1937 و1938. وحتى إذا تم الأخذ في الاعتبار اقل الأرقام أعلاه فان حرب البوسنة بين عامي 1992 و1993 لم تشهد سوى واحد من 10 بالمئة من جرائم الاغتصاب التي وقعت في بنغلاديش.وفي حين أرغمت اغتصاب النساء البوسنيات العالم على الاعتراف بالاغتصاب على انه»أداة للإرهاب» وجريمة ضد الإنسانية ، إلا انه لم تتم تحميل أي جهة مسؤولية العنف الجنسي الذي ارتكب ضد البنغاليات في عام 1971. ولدى اقتراب الذكرى 40 لتلك الحرب في شهر مارس الماضي، أنشأت الحكومة البنغالية محكمة جنائية دولية للتحقيق في الفظائع التي ارتكبت في تلك الفترة. غير أن أنصار حقوق الإنسان والمحامون يتخوفون من ألا يتم تناول الاغتصاب الجماعي وقتل النساء بالصورة المطلوبة. وفي هذا الصدد تقول المحامية وناشطة حقوق الإنسان سارا حسين،»هناك جماعات سياسية معينة تسعى لحجب تلك الفترة من تاريخ الحرب ،ويصاحب ذلك إخفاق تام في تحديد المسؤولية عن جرائم العنف ضد النساء. ولم تحظ تجارب النساء – اللواتي قاتلن من اجل الاستقلال ،وضحايا الاغتصاب والأرامل- طوال فترة الحرب بأي اهتمام ولم يسع أي احد لسرد حكاياتهن أو يعترف بالعنف الذي تعرضن له. وتقول ايرين خان، الأمين العام سابقا لمنظة العفو الدولية،» كنت اسمع وأنا فتاة مراهقة في عام 1971 عن تعرض طالبات جامعيات وفتيات ونساء قرويات صغيرات للاغتصاب والاحتجاز واسترقاقهن جنسيا في معسكرات الجيش. ولكن لم نعد نسمع أي شيء بعد انتهاء الحرب .» وتمضي خان قائلة،» نعم ، كثيرا ما نسمع عن مئات الآلاف من النساء اللواتي اغتصبن وأرغمن على التحول إلى رقيق جنس ، ولكن نادرا ما تتوفر أسماء أو وجوه أو قصص فردية. لقد فضل المجتمع المحافظ على إسدال ستار من الإهمال والإنكار الأمر الذي مكن مرتكبي الجرائم أو من ساعدوا على ارتكابها من الإفلات بينما ظلت الضحايا من النساء فرائس للخزي والعار بلا معين من المجتمع أو الدولة.» وتصر ميغنا غوهاثاكورتا، مدير منظمة «مبادرات الأبحاث- بنغلاديش» الطوعية في دكا على عدم تجاهل مصير النساء هؤلاء النسوة، وتقول،»تظل قضية ادوار النساء في حرب التحرير في طليعة اهتمام المنظمات النسائية بين حين وآخر..» وسيتم في وقت لاحق من هذا العام طباعة أول ترجمة انجليزية لكتاب « نساء 1971» الذي يجمع بين ضفتيه شهادات 19 امرأة ،ليس من الضحايا فحسب بل أيضا من المقاتلات من أمثال تارامون بيبي، وهي واحدة من امرأتين فقط تم تكريمهن لخدماتهن القتالية خلال الحرب، أو من أمثال النحاتة فردوسي بريوباشيني اللواتي وظفن تجاربهن خلال الحرب كنقطة انطلاق لإحداث تحول جذري في حياتهن. وكتبت غوهاثاكورتا في تقديمها للكتاب تقول،» من بين 19 امرأة جرى عقد مقابلات شخصية معهن، 9 منهن كن ضحايا اغتصاب. أما البقية فقد تحدثن عن تجاربهن ومصائبهن بعد مقتل أفراد عوائلهن. ضحايا الاغتصاب إبان الحرب.. حكايات منسية وتمضي غوهاثاكورتا قائلة إن الصدمة النفسية التي عانت منها النساء ضحايا الاغتصاب وصنوف العنف الأخرى لم يتم التطرق إليها بالطريقة الملائمة في بنغلاديش . إننا نشعر أن من الضروري أن يتناول المسؤولون والمجتمعان المدني والدولي قضية العنف الجنسي وجرائم الحرب.» ويعتقد البعض أن القضاء على عقود من النفي والإنكار أمر حاسم. وفي هذا الصدد يقول مفيدول حوق، أمين متحف حرب التحرير في دكا،» يتمثل التحدي الأكبر في كيفية كسر حاجز الصمت. إنني على ثقة من أننا سوف نسمع الكثير من الأصوات الجديدة».. ومن بين الأحداث المهمة التي يتم التخطيط لها في الذكرى الأربعين للحرب في العام المقبل، تنظيم مهرجان لأفلام وثائقية تركز على حرب عام 1971 وعلى حقوق الإنسان مع إفراد قسم خاص لقضايا النساء. ويركز مشروع آخر على البحث في حياة الأطفال الذين ولدوا بعد عام 1971 من بطون» البيرانغانوات» أي الأمهات ضحايا الاغتصاب والنساء اللواتي رفضتهن عائلاتهن بعد تعرضهن للعنف الجنسي. وقد تمخضت تلك الحرب عن أعمال قد لا تنمحي من الذاكرة، منها قيام المنتج السينمائي اناندا بتوثيق الصدمة الماحقة التي أطبقت على قرية شوهاغبور في فيلمه « قرية الأرامل» “The Village of Widows” والذي سيعرض في العام المقبل أيضا. وكان الجنود الباكستانيون قد اجتاحوا في يوليو 1971 هذه القرية الوادعة التي اتهمت بدعم «الموكتي باهيني» أي المقاتلين من اجل الاستقلال. وطوق الجنود جميع رجال القرية وقتلوهم. وبعد مضي أربعة عقود، يوثق اناندا هذه الحادثة ويشير إلى أن شوهاغبور أصبحت قرية بلا كبار سن وان نسائها يعشن في مقابر موتاهن. ولكن هل يمكن تحقيق العدالة بعد كل هذه العقود؟ بل هل هي مطلوبة؟ لقد بدأت محكمة الجنايات الدولية في بنغلاديش في إصدار صحائف اتهامات. غير أن المحامية سارا حسين تقول،» ليس واضحا ما إذا كانت جرائم العنف ضد النساء سيتم تناولها أو ما إذا كانت ستشكل أساسا للتقاضي. ولا توجد نساء بين أعضاء المحاكم أو الادعاء. ومع ذلك نأمل في أن تسلط التحقيقات الضوء على هذه القضية وان تكفل الحكومة للنساء بيئة سليمة وآمنة للإدلاء بإفاداتهن.» غير أن المحامية ايرين خان، التي قادتها جهودها في مجال حقوق الإنسان إلى البوسنة وسيراليون ومسارح حروب أخرى ، تعرب عن شكوكها قائلة،» لم يعتبر ميثاق روما الذي تم بموجبه تأسيس محكمة الجنايات الدولية من الاغتصاب جريمة حرب إلا بعد أحداث البوسنة. ومنذ أربعة عقود خلت لم يكن العنف الجنسي كسلاح في الحروب مفهوما ليس في بنغلاديش فحسب بل على نطاق العالم. وفي بنغلاديش لا يتم الاعتراف به ولا بالإسهام الكبير من قبل النساء في النضال من اجل الاستقلال كمقاتلات ومساندات. أن بنغلاديش تظل دولة مجتمعات ذكورية محافظة، حيث لا تقدير لدور المرأة في الماضي أو الحاضر.» المحامية سارا حسين، تتهم بعض الجماعات السياسية بحجب فظائع الحرب الأمريكية سوزان براونميللر، وكتابها ضد ارادتنا رجال ونساء واغتصاب