إن من أصعب المواقف على الكريم أن يتعرض للفقر والحاجة، وأصعب من ذلك ألا يجد مجالاً ليكرم ضيفه، وقد تعرض لهذه المواقف كلها، سعد بن سريع راعي المعشبة البلدة المعروفة في إقليم سدير بنجد، وآل سريع معروفين من قديم وحتى الآن بالكرم والجود. وسعد معروف بالكرم وبشاشة المحيا واستقبال الضيف وإكرامه، وكان ثالث ثلاثة من اخوانه حيث رحل اثنان لطلب الرزق وبقي سعد في المعشبة. وأثناء تعايشه كغيره من سكان نجد المعروفة في الزمن السابق بضيق العيش ليس أمامه سوى أن يستدين من صاحب الدكان مرة بعد أخرى، وفي كل مرة ينتظر الفرج من الله ويرجو أن تحل أزمته، لكن صاحب الدكان لم يعطه شيئاً ولا على سبيل الاستدانة، وكان سعد مرهف الحس شاعر استطاع أن يعبر عن خلجات نفسه وأن يصور الحالة التي هو فيها والتي يشابهه فيها العديد من الناس، بل يشابهه كثيرٌ من أجدادنا السابقين فيما يروونه لنا. هذه الحياة الصعبة زاد صعوبة عندما وفد إليه ضيف وأناخ ببابه لأنه زيادة على كونه ضيفاً وافداً إلا أنه أيضاً صديق له سابق وهذا منتهى الحرج والضيق، فالبيت لا يوجد فيه شيء حتى لصاحبه فكيف لضيوفه. هذا الضيف هو: مخلف الدعمي من عتيبة رئيس جماعة ورجل معروف بالكرم أيضاً. لا أجد صورة حقيقية أوضحها عن الموقف بحيث تتضح معالمها للقارئ تصور حالة الكريم سعد السريع وموقفه الذي هو فيه لكن الموقف جد غاية في الضيق. لقد بقي في البيت وأخبر أهله بأن يقولوا لمن (ينوخ ويبرك بعيره) ضيفاً حول القصر (بأن صاحب القصر غير موجود، قولوا غائب) فما تعود الكريم أن يقابل ضيوفه بيد خالية. وإن نوخوا قلت قولوا ذا القصر خالي غايب وأنا حاضر في أقصى موازيها ومعنى غائب يعني مسافر، وكان السفر لطلب الرزق مألوفاً ولا يستغرب بل ويعذر صاحب المنزل. كما أن ابن سريع يتمنى أن يفارق طاري الهم ودين صاحب الدكان الذي يعطيه كيسة فيها القليل من أصواع الحب بالشيء الكثير من المال فيقول: نرحل عليها لعل الهم ينجالي ونفارق الصاع والكيسة وطاريها لما نظر (مخلف) إلى حالة صاحبه من غيابه فيما يظن لطلب الرزق، ونخله الذي يبدو عليه عدم الإنتاج بل والفقر في صاحبه، وإقسام أهل البيت أنهم لا يجدون ما يأكلونه، كان لديه بعير انكسر فذبحوه وحملوا لحمه إلى بيت ابن سريع ودخلوا وأهليهم في المجلس وأوقدوا النار وحلت السعادة وكرم الضيافة على الجميع. إن ابن سريع لم يكن غائباً بل كان موجوداً بعيون ساهرة وقلب حزين ويد خالية وشهامة وكرم يؤرقه فزج بكل أحساسيسه ومعاناته من الفقر والحاجة وعدم تمكنه من استقبال الضيف في قصيدة ملؤها الألم وما أشد أن يتألم الكريم ويقع تحت طائلة الحاجة النبيل ويبحث عن الاستدانة فلا يجد وهو صاحب عطاء وجود. إن من يقرأ قصيدة ابن سريع لا يتمالك نفسه من الدخول معه في الإحساس والتمازج معه في المعاناة ذاتها رجل كريم لا يجد شيئاً والقصر يصعب بيعه وترك أولاده في العراء، والنخل لا ماء فيه والسيل منقطع والوقت خريف ولا تمر في النخل، ولا يريد السفر إلى بلدان خارج الجزيرة العربية يظن أنها مليئة بالمنكرات والمفاسد ويخاف منها ويخاف على نفسه أيضاً. يقول في قصيدته: قال الذي في زمانه شاف غربالي دنياً تشيب الوليد بما جرى فيها البارحه ساهر والقلب يجتالي ما هملجت حيث صال القلب صاليها والدمع مني على الوجان همالي وأشكي على الله نفوس ما يخليها دنياً تشيب الوليد بهول وأهوالي سبحان من هو على ذا الشان مجريها قلت اتركيني وخليني على فالي عن مقعد العز حالي فيك قاصيها متهيض يوم شفت الدوب بعيالي مثل القرافيش مع شاوي مخليها جوع وعري ولا لي حيلة أحتالي وأقول يالله نفوس لا تخليها يا (قصر) قصر ما بي فيك الأبدالي كل المراجل على شأنك مخليها وإن نوخوا قلت قولوا ذا القصر خالي غايب وأنا حاضر في أقصى موازيها يالله على العيص عيص تقطع اللالي ضباط للشيل ما شد الصعب فيها نرحل عليه لعل الهم ينجالي ونفارق الصاع والكيسه وطاريها وإلى رحلنا لهاك الدار عزالي نفس ضعيفه وأخاف بليس يغويها ديرة (....) و(....) ما لها والي والخايبة عند أهلها شيخة فيها ما ذكر فيها بكلمة حق وعدالي إلا عمل (....) (....) شايع فيها يا مرسل الماء على اسماعيل بالحالي وأمه تردد ونزع الموت حاديها عجل فرجنا بنو يشعل أشعالي ومزنة خريف إله العرش تنشيها هلت مطرها وفيِّ الظهر ما زالي لين البطاحي تضيقها مجاريها يطيب نومي إلى من النخل سالي وجم الركية تعلق في مطاويها