- 1 - نعم سيدتي ...لا أعلم لماذا أنا هنا ؟!!!.... وكيف وصلت إلى هذا المكان بدون أن أدرك الطريق إليه ؟ ... هل هو الحنين الذي تلبس قلبي وقادني إلى حيث يكون هذا المكان ؟ أو ربما كان هذا المكان هو المكان الوحيد الذي علي أن أبكي فيه ؟ أتيت هذا المكان الذي شهد لقاءنا الأخير ، أتيتُ من نفس الطريق الذي أتينا نحن منه ، كنت قد وصلت قبلك بعشرين دقيقة ، تفحصت المكان لأطرد العيون التي يطيب لها النظر ، وانتظرتك . كان لهذا المكان ثلاثة طرق ... الطريق الأول ... هو الطريق الذي أتيت منه ، وأتيتُ منه الآن .... الطريق الثاني ... هو الطريق الذي سلكتهِ في نهاية لقائنا ... الطريق الثالث .. هو الطريق الذي غادرتِ منه بعدها بثلاثين دقيقة .... وكان المكان كما كان في السابق ، لا يتعلم منا ، رغم أنه أجاد سمع همساتنا ، وشهد أكثر من دمعة وحين سلكتِ الطريق الثاني ضم بكائي بصمت .... - 2 - سأبوح بسري الذي لا يعرفه أحد سوى هذه الورقة ، فمن أتى بي إلى هذا المكان هو اسمي !.... كنت كسائر أيام الأسبوع ، أؤدي عملي بقسم المواعيد في المستشفى .... أتى لي رجل طويل ذو بنية رياضية ، ومعه طفل صغير لم يتجاوز عمره سنتين ، وطلب مني أن أسجل له موعداً مع الطبيب ، أعطيته الموعد وابتسمت حين كان اسم الطفل هو نفس اسمي - كثيرون هم الأطفال الذين يحملون نفس اسمي -. أديت عملي وأعطيته الموعد ، ليغادرني هو وطفله ، ويأتي من خلفه رجل آخر يريد أن أسجل له موعدا . - 3 - ذات صباح .... أتى الرجل نفسه الذي يحمل اسم ابنه اسمي ، وكان ذلك الصباح هو موعد ابنه ، لم يكن هو وابنه فقط هذه المرة ، بل رأيت زوجته خلفهما ، كانت مصلبة النظر نحوي ، وحين سجلت موعدها ودفع قيمة الكشف وغادروني ، شيء ما دفعني لفتح ملف الطفل من خلال الحاسب الآلي ، أصابني الذهول حين قرأت اسم والدة الطفل !... - 4 - كانت هي ... تلك المرأة اتي سلكت الطريق الثاني قبل ثمان سنوات !... تلك المرأة التي دفعتني لعدم تحقيق أمنية أمي بزواجي ، كانت هي ... ورب محمد كانت هي !... شعرت أن الأرض تموج بي ، وأن أقدامي لا تلمس الأرض ، واختنق صدري بضيقة مؤلمة ، لأغادر مكاني وأتجه نحو مديري لأطلب منه الاستئذان ، فالوقت لا يملكني ، ولا أنا ملكت الوقت ، لأخرج من المستشفى ، تعانقني الذكريات الماضية كما يعانقني دمعي الآن ، ركبت سيارتي ، أدرت مفتاح التشغيل ، ولم تتحرك سيارتي من موقفها إلا بعدما مسحت دموعي ، وسحبت رأسي من مقود سيارتي ، وبعد عشرين دقيقة وجدت نفسي في نفس المكان الذي كانت تحفه الثلاثة طرق ... جلست هناك ، شيء ما يجلسني هنا ، شيء ما يقول لي أنتظرها هنا وستأتي ، وانتظرتها ثلاث ساعات ولم تأتِ !... - 5 - في صباح اليوم الثاني ، عدت لعملي ، شعرت بثقل جسدي وأنا أدخل صالة المواعيد ، تلفت يميناً وشمالاً ، ومن ثم جلست في مكاني .... قال لي زميلي الذي وصل للتو :- = سلامات ... كيف الآن ... = الحمد لله بخير ... = ألف سلامة لك قال تلك الجملة واتجه ليعمل لي وله كأسين من القهوة ... قدم لي كأس القهوة الساخنة ، وبعد أن جلس على كرسيه قال لي :- = حينما خرجت أمس من العمل أتعلم ماذا حصل ... ودون أن أرفع عيني عن شاشة الحاسب الآلي قلت :- = ماذا حصل ؟ = آخر موعد عملته أمس للمريض الطفل ، وقبل أن يدخل للعيادة ، أغمي على أم ذلك الطفل ونقلناها إلى الإسعاف لتصاب بالتشنج ، المسكينة كانت تنطق باسم ابنها وهي في غير وعيها كانت تصرخ به : حبيبي ..... ، أنا أحبك .... ، أنا لم أنساك يا ..... وقفت في مكاني وقلت له :- = هل هذا ما قالته ؟ بدهشة أجابني :- نعم .... ماذا في ذلك ؟!... تركته وغادرت المستشفى دون استئذان هذه المرة وأنا أصرخ بداخلي .... حبي لم يفقد ... حبي لم يفقد .... واتجهت إلى مكان لقائنا الأخير ....