عرضت قناة "روتانا خليجية" في برنامج "قضية رأي" للزميل ياسر العمرو موضوع اختفاء الكثير من الرموز الإعلامية السعودية دون تكريم أو حتى متابعة أو توظيف خبرات. وأنا متأكد من ألم أكثر من زميل أو محب أو متابع لتلك الشخصيات الإعلامية في غابر الأيام. ولكن هل سلسلة موت الوفاء المؤسسي انتهت؟ فهذه نهاية مطاف أي زميل لا تخرج عن دعوة لحضور حفل تكريم المتقاعدين. ولكن الذي يؤلم كثيرا عدم اقتصار موت المؤسسي على الإعلامي وإنما هو في نظري موت للوفاء المؤسسي في معظم القطاعات. ولكن في لحظة توقف مع الذات طرحت على نفسي السؤال التالي ما هو السبب يا ترى؟ في اعتقادي لا يمكن حصر الموضوع في سبب واحد، فهناك أكثر من سبب ورواية. ولكني أكاد أن أجزم أن إهمال المؤسسات بمختلف أنواعها أهلية كانت أم حكومية وتلحقها أيضا مؤسسات المجتمع المدني تشترك في هذا الإهمال. وأقصد بالإهمال هنا هو عدم الاهتمام بإدارات العلاقات العامة الاحترافية والمتخصصة. فهذه الإدارة تستطيع أن تترجم معنى وقيمة الموارد البشرية للمؤسسة أبعد من إدارات التوظيف لكي تصبح إدارات الموارد الإنسانية.كما تترجمها أبعد من حدود المؤسسة مكانيا ومناسباتها مكانيا وزمنيا.ولهذا هل أستطيع القول إن البرنامج التليفزيوني السابق أظهر موت الوفاء المؤسسي المبكر في قطاع الإعلام فقط بسبب نجومية الإعلامي وعدم ولادة إدارة علاقات عامة متخصصة في تلك القطاعات أو ولادتها ميتة بأشباه البيروقراطيين الذي يحددون لها أدواراً هامشية سيدفعون ثمنها غالياً عند التقاعد كما أظهر البرنامج .أعتقد أن ذلك البرنامج قد دق ناقوس خطر في الكثير من المؤسسات وتحديدا لدى الكثير من المديرين الذين ينسون في غمرة فرحتهم بالكرسي أن النهاية هي الانضمام في سلسلة عدم الوفاء المؤسسي. أتمنى أن أكون على صواب في أن الاستثمار في إدارات العلاقات العامة المتخصصة هو استثمار في وفاء مؤسسي أثناء العمل وبعده. ولعل البعض قد يحدثنا عن ما تجود به أدبيات المدرسة اليابانية في الإدارة والتي تعتبر مثل طلب العلم في الإسلام من المهد إلى اللحد أي أن الوظيفة من الولادة حتى الوفاة. ولكن واقعنا الإسلامي ومدرسته في الوفاء والتآخي والتواد والتراحم وحماية الضرورات الخمس وقوانين التكافل الاجتماعي وغيرها من التفاصيل أهم بكثير من أي مدرسة سلوكية أو إدارية. فالوفاء هو الوفاء. فكيف يطلب من الموظف الوفاء لمؤسسة لم تكن وفية معه في مسيرته نحو التقاعد؟ بل إن بعض المؤسسات قد تنحو نحو الأسوأ بحجب ميزات كفلها النظام التقاعدي بحجج واهية أو عدم وفاء. سندخل مرحلة إدارية جديدة يقرر فيها الموظف الكفء مستقبله التقاعدي برسم خريطة مالية بعيدا عن المصلحة أو المؤسسة المعنيتين بالتقاعد الوطني ، فسيصبح هناك ثقافة التقاعد المساند التي لا يعرف كثيرا من الناس عنها. وكم هي آمنة للموظف.يضاف إلى ذلك الاستفادة من خبرات المتقاعدين في بيوت الخبرة والتدريب ونقل الخبرات.فدراسة لشركة ميرل لينش أثبتت أن معظم المتقاعدين يسعون للعمل بعد التقاعد لأسباب عدة من أهمها:المحافظة على الكرامة الاجتماعية والأسرية، وممارسة النشاطين العقلي والبدني ،والاتصال بالآخرين وتخفيف الأعباء المالية بسد النقص في الراتب التقاعدي.كما أن دراسات لشركة كبرى مثل الطيران البريطاني أكدت ذلك بنحو 99% من متقاعديها يعملون بعد التقاعد. وهي طبيعة الإنسان الذي خلق في كبد. كما أن ثقافة التوفير لم تؤصل فينا صغارا ولذلك أصبحنا من كبار المستهلكين كبارا.فأرجو من مؤسساتنا الموقرة أن تستمر ببرامج "لمسة الوفاء"ويوم الوفاء الذي انتشر مؤخرا.وأن تبدأ بإدارات علاقات عامة تغرس في الموظفين على رأس العمل حب الوفاء لتنبت معهم سلسلة وفاء حقيقي نكون فيها كالبنيان المرصوص إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. هذا الطلب قد يبدو مستحيلا في ظل ثقافة الفصل التعسفي والأذى على رأس العمل فكيف سيكون حال المقعد منهم تعسفياً على "مشراق التقاعد.