ربما كان تفجيران انتحاريان أسفرا عن سقوط 40 قتيلا في دمشق يوم الجمعة يمثلان مستوى جديدا من العنف بهدف الإطاحة بالزعيم السوري بشار الأسد رغم أن بعضا من أعدائه أشاروا بأصابع الاتهام الى جهاز المخابرات التابع له. قالت بسمة قضماني وهي متحدثة باسم المجلس الوطني السوري المعارض الرئيسي "لدينا كل أشكال الريبة في أن يكون النظام ذاته هو الذي دبر هذا." ويرى أنصار هذا الرأي أن السلطات تريد أن تظهر لمراقبي جامعة الدول العربية التي وصلت طليعة فريقها إلى دمشق يوم الخميس أن سوريا ضحية لعنف أعمى وأنها مستعدة لإحداث فوضى في عاصمتها لإثبات ذلك. ورفض عدد من المحللين تلك النظرية. وقال جوشوا لانديس وهو خبير بالشؤون السورية في جامعة اوكلاهوما "لا أرى أي منطق للنظام... يريدون أن يبدوا مسيطرين على الموقف. يريدون حقا جعل المعارضة تبدو همجية لكنهم حريصون للغاية أيضا على عدم إخافة الناس كثيرا." ولأسابيع ظلت سوريا تقاوم قبول المراقبين الذين توجهوا إلى هناك لمعرفة ما إذا كانت دمشق تلتزم بخطة لجامعة الدول العربية لإنهاء العنف. وتدعو الخطة لانسحاب القوات من الشوارع والإفراج عن السجناء والحوار مع المعارضة. وربما تكون سوريا مدركة أنه في حالة تنفيذ خطة السلام بشكل جيد فإنها ستزيد من جرأة المحتجين الذين يخاطرون الآن بعواقب عنيفة في حالة انطلاقهم للشوارع. وتحتاج سوريا إلى أن تظهر التزامها لتنأى بنفسها عن العقوبات الاقتصادية. وفي ظل تلك الظروف فإن أسوأ التفجيرات التي شهدتها العاصمة السورية منذ سنوات ستبدو ضربة موجعة لمكانة الجهاز الأمني القمعي في البلاد خاصة مع استهداف مبان أمنية. لكنها تتوافق أيضا مع ما تقوله حكومة الأسد من أن "إرهابيين" إسلاميين وراء تسعة أشهر من الاضطرابات التي وردت أنباء عن أنها تسببت في سقوط سبعة آلاف قتيل. وتقول الأممالمتحدة إن أكثر من خمسة آلاف شخص قتلتهم القوات الأمنية في حين تقول الحكومة إنها فقدت نحو ألفي شخص من الجيش وقوات الأمن. قالت مروة داودي وهي باحثة في كلية سانت انتوني التابعة لجامعة أوكسفورد "النظام يتهم 'إرهابيين' والقاعدة ومن الصعب معرفة من وراء العمليات في هذه المرحلة." وكرست وسائل الإعلام الحكومية التي كثيرا ما تكون انتقائية في اختيارها للأنباء تغطية شاملة للتفجيرين وأظهرت لقطات للضحايا وعقدت مقابلات توصل رسالة واحدة فقط. وتساءل منصور رياض وهو عضو برلماني سابق من الأردن موال للنظام السوري مرارا على شاشة التلفزيون السوري قائلا ما الذي سيقوله الآن الأجانب الذين يؤيدون المعارضة وماذا يقولون الآن عن الخراب وإراقة الدماء الذي رأوه يوم الجمعة. وأظهر التلفزيون المواطنين السوريين وهم يتساءلون أيضا قائلين هل هذه هي الحرية التي تريدها المعارضة؟ كما ظهر في التلفزيون شاشة حمراء مكتوب عليها "إرهاب القاعدة" بخط يشبه الدماء. وما من شك في أن التفجيرات الانتحارية تبدو أسلوبا غريبا على المحتجين الذين أطلقوا في مارس/ اذار مظاهرات سلمية ضد حكم حزب البعث ونظام الأسد القائم منذ نحو 40 عاما. كما أنهم يختلفون كثيرا عن جيش سوريا الحر الذي يتألف أساسا من المنشقين عن الجيش السوري والذين يمثلون أساس تمرد مسلح متزايد. وقالت داودي "جيش سوريا الحر لا يملك فيما يبدو مثل هذه البنية الأساسية (لتدبير تفجيرات انتحارية)." ويحاول المجلس الوطني السوري الإثناء عن العنف لكن ليس من الواضح مدى تأثيره على من يردون على الهجمات بعد شهور من القمع الحكومي الشديد للاحتجاجات الشعبية. وبالنسبة للوقت الراهن فمن الصعب التوصل إلى الحقيقة تماما مثل ما يحدث في بلد تديره العقلية الأمنية لنظام الأسد والتي منعت فيها وسائل الإعلام المستقلة منذ شهور. وحتى الآن لم يعلن تنظيم القاعدة ضلوعه في أي انتفاضة ضد الأسد لكنه ليس لديه تعاطف ايديولوجي مع فكرة القومية العربية التي يتبناها حزب البعث في سوريا. ويتهم مسؤولون أمريكيون السوريين منذ زمن طويل بدعم نشطاء إسلاميين عندما كان ذلك مناسبا لدمشق خاصة بعد الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة عام 2003 للعراق عندما وجد مقاتلون مرتبطون بالقاعدة من أنحاء العالم العربي مدخلا سهلا إلى العراق ممثلا في سوريا.