لقد انقضى عام منذ وصولي إلى المملكة العربية السعودية بصفتي سفيراً لجمهورية كوريا الجنوبية لدى المملكة وخلال تلك الفترة، فقد لاحظت أن المملكة العربية السعودية تتمتع بثلاثة عوامل أساسية والتي كانت حاضرة أثناء المعجزة الاقتصادية لكوريا الجنوبية: قيادة عظيمة ذات تصور واضح للمستقبل، الإخلاص المتناهي للمسؤولين الحكوميين فيما يختص برفاهية الأمة والشعب، والاستثمارات العملاقة بغرض تطوير التعليم والموارد البشرية. إن المملكة العربية السعودية وجمهورية كوريا قد أسسا العلاقات الدبلوماسية في عام 1962م. وذلك عام كانت فيه الحكومة الكورية قد بدأت في خطتها الخمسية الأولى للتطوير الاقتصادي بهدف إعادة بناء دولة قد دمرتها الحرب الكورية. وقد كانت تلك الخطة، هي أول خطوة نحو نمو اقتصادي استثنائي مشهور قد حققته كوريا الجنوبية. ومن المهم ملاحظة أن هناك ثلاثة عوامل أساسية قد مكنت من تحقيق ذلك النجاح. أولاً: قيادة قوية وحكيمة تتمتع برؤيا ثاقبة قادرة على إيجاد اقتصاد مستديم. ثانياً: مسؤولون حكوميون مجتهدون وحريصون دائماً يضعون الأمة في مقدمة أولياتهم ويعملون على البحث المستمر عن مصلحة المواطنين. ثالثاً: برنامج وطني واسع النطاق والذي استثمر بشكل كبير في تطوير التعليم والموارد البشرية، حيث أن كل هذه العوامل حاضرة أيضاً بالمملكة العربية السعودية بشكل واضح. وتحت النظرة الثاقبة وتصور خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله ورعاه، فقد اتخذت المملكة خطوات عظيمة نحو تحويل بنية اقتصادها إلى اقتصاد مبني على المعرفة Knowledge-based economy. ومنذ عام 2010م، تمكنت حكومة كوريا من المشاركة في ذلك المسعى النبيل والقيم وكان لها في ذلك عظيم الشرف والسرور من خلال برنامج تقاسم المعرفة Knowledge Sharing program (KSP) مع وزارة الاقتصاد والتخطيط بالمملكة العربية السعودية. وهذا البرنامج يساعد في تقاسم ومشاركة خبرات كوريا الجنوبية والتي اكتسبت أثناء تنفيذ سلسلة من خطط التطوير خلال السنوات ال 50 الماضية. لقد تم عقد ورشة العمل الختامية لبرنامج تقاسم المعرفة لعام 2011م بالرياض في الفترة ما بين 3-5 ديسمبر، 2011م، وقد تباحث وزير كوري "سابق" وعلماء من المعهد الكوري للتنمية (وهو منظمة تلعب دوراً حيوياً في تنفيذ استرايجيات التنمية بكوريا) حيث ناقشوا مع مسؤولين حكوميين سعوديين بالوزارات، كيفية التطبيق الفاعل والعملي لخبرات ومعرفة كوريا الجنوبية وكيفية تطبيق ذلك بخطط التنمية السعودية، خاصة في مجال تطوير التربية والتعليم والموارد البشرية. إن برنامج تقاسم المعرفة سوف يستمر للسنوات القادمة. وهنا يمكننا تقاسم خبراتنا في مجال التنمية وتطبيق ذلك في المجالات الاخرى أيضاً. سوف نتقاسم، ليس قصصنا عن البرامج التي تكللت بالنجاح فحسب، بل أيضاً تلك التي باءت بالفشل وذلك حتى تتفادى المملكة العربية السعودية تكرار الفشل والأخطاء التي وقعنا فيها ذات مرة. إن المملكة العربية السعودية وجمهورية كوريا تتمتعان بعلاقات راسخة وعلاقات تعاون قوية في السنوات ال 50 الماضية. وعن طريق التفاعل المشترك كما هو الحال في برنامج تقاسم المعرفة، فإننا نتطلع لمزيد من التطور لعلاقاتنا وتطويرها لتصبح علاقات أكثر نشاطاً وتتمتع بتعددية الأبعاد بغرض التأكيد بأن تستفيد وتتمتع الأجيال القادمة بكافة المزايا والخواص النابعة من مساعينا وجهودنا المشتركة في الأعوام ال 50 المقبلة. * السفير الكوري