معطف «قوقول» رواية عظيمة بل تعتبر عند البعض أولى الروايات العالمية الرائعة.. كتبها الكاتب الروسي الكبير «قوقول» والرواية بسيطة وسهلة تتحدث عن معطف اشتراه موظف بسيط أراد أن يتزين به ويتقي شر البرد.. ولكنه وجد في المعطف ثقوباً وشقوقاً فراح يصلحها بأن يأخذ من أجزائه ويرقع بها الأجزاء الأخرى، ولكن حال المعطف لم تصلح فمرة يكون الكم قصيراً، ومرة تكون الياقة مرتفعة، ومرة يكون جانب المعطف مائلاً ومرة يكون الكتف زائداً عن الآخر وهكذا.. أتذكر معطف «قوقول» وأنا أتابع أوضاع «حافز» فقد فرح كثير من أبناء الوطن بأن يكون «حافز» معطفاً يستر أحوالهم المالية، المتدنية، وظنوا أن ذلك سيكون سهلاً، وميسوراً، ولكن يبدو أن الخياطين لا يريدون لهذا المعطف أن يستقيم، ويستر صدور وأجسام كثير من أبناء الوطن وبناته العاطلين عن العمل، والتي عرّاها، الفقر، والعوز والحاجة فكل يوم يُقص من معطف «حافز» حتى تمزق، و«تشذرم» وكثرت فيه الرقع والخبن فلم يعد صالحاً للبس والارتداء.. * * * أنا متأكد من أن ولي الأمر حين أصدر قراره لم يكن يريد أن يتبع هذا القرار بكثير من التأويل والتفسير والتكهن، ولا يريد أن يتبع أيضاً بالكثير من المنّ والأذى، ولا كثرة القطع والقص، والبتر.. من قبل أولئك الذين يجتهدون اجتهاداً غير مطلوب في كثرة التأويل، والتعديل، والتبديل، وإنني لأستغرب أن يصل الاجتهاد إلى حرمان شريحة من المجتمع هي الأهم بالرعاية والعناية، وهي التي أثقلتها أعباء العيش، وصراع الحياة القاسي المر.. إذ ليس معقولاً أن يوقف «حافز» على من هم دون الثالثة والثلاثين ويحرم منه من هو فوق هذه السن..!! إذ إن أولئك الذين هم أكبر سناً من حملة الشهادات، أولى بالرعاية والعناية والاهتمام لأنهم أصحاب بيوت وأسر، وإنفاقهم والتزاماتهم المعيشية والاجتماعية أكثر بمراحل ممن هم أقل سناً وعمراً.. ومن نكد الدنيا عليهم أن يظلوا يترقبون رحمة متعسف سوف يقرر شأن عيشهم ومن يعولون.. لقد منّ الله على هذا الوطن بنعم وخيرات كثيرة، وهو يمد يده دوماً لعون الآخرين.. فما أكثر الذين تنعموا بخيراته من خارجه، بالعطف عليهم وبإضفاء «معاطف» خيرة عليهم، وهذه ميزة وطنية نفخر بها ونحمد الله عليها فخير لوطننا أن يكون يداً عليا.. ولكنه ليس من العدل والانصاف أن تظل شريحة من هذا المجتمع تعاني من الفاقة، وخصاصة العيش.. * * * أيها السادة: كثيرون بكل أسف يجازفون بحق المواطن، والوطنية نعم أقول: «الوطنية» لأنه في ظل العوز، والعري من المال تهتز الوطنية، وتختل، فالوطنية لا تتحقق بالأقوال، والأمنيات ولا تتغذى بالهواء كبعض الزواحف.. كلا فالوطنية الصادقة المخلصة لها شروطها ومكوناتها التي تقوم عليها وتنتجها.. وفي ظل النقص تظل الوطنية، مشوهة، ومنقوصة، وممزقة ومثقوبة تماماً كذلك المعطف.. معطف «قوقول» المليء بالشقوق والثقوب، فلا هو صالح للاحتشام والتستر كما أنه لا يقي من البرد والصقيع،.. فبالله عليكم لا تشوهوا معطف «حافز» ألبسوهم معطفاً ضافياً جميلاً يليق بهم، وبوطنهم، الكرماء أهله الشرفاء مواطنوه، لا تبخسوهم ما أمر به ولي الأمر، بكثرة الاجتهاد، والتأويل والتعليل، والتمزيق، والتخريق، لا تطاردوهم، ولا تفسدوا وطنيتهم بالمن والأذى، ولا تستكثروا عليهم، فالله يقول(ولا تمنن تستكثر)..