روسيا قوة عظمى تنتعل أحذية بالية، أي ان خطواتها بعد تحررها من ثقل الاتحاد السوفيتي، لم يضف عنواناً آخر لمزاحمة قوى جاءت بعدها، مثل الصين والهند، لتحتلا موقعاً متقدماً على روسيا، وكان من المفترض، في حال الخلل المادي الذي أضاف مأزقاً لأوروبا وأمريكا، أن تبرز روسيا كمعوض يعطي للعالم صورة أخرى لدولة قادمة اقتصادياً وتقنياً، وهي مهمة تحتاج إلى خطط ومفاهيم وقوانين تؤسس لعمل كبير. فالمقارنة مثلاِ بين روسيا، مع اليابان وألمانيا تأتي لصالح الدولتين الآسيوية والأوروبية ، رغم وجود ثروات روسية هائلة لا تملكانها مجتمعتين، لكن الفارق يأتي لصالح التقدم التقني والنظام السياسي الذي يتعامل مع فكر متقدم في ترسيخ الديموقراطية وفق قوانينها المتبعة. المظاهرات التي اجتاحت المدن الروسية على ضوء ما اعتبرته تزييفاً في الانتخابات التشريعية وضع روسيا في مواجهة غير مسبوقة مع العالم، أي أن تداول السلطة بين الرئيس ورئيس الوزراء هو عودة للقيصرية بأسلوب جديد، والشعب الروسي الذي زُعم أنه لا يحكم إلاّ بدكتا فورية، ليست قاعدة ثابتة في عالم يتحرك ويتداخل، وقد انفتح الفضاء أمامه ولم يعد هناك ستار حديدي يغلق على شعب ان لا يطل على العالم ويتفاعل معه.. فالاقتصاد الروسي يعتمد على تصدير الطاقة بعكس الدول الغنية التي تحكم قبضتها على السوق الدولي بمختلف السلع، والصين نموذج زاحم، وخطف معظم المنتجات المعاصرة، وهي بنظر الواقع كانت متخلفة عن الاتحاد السوفيتي الذي كان محوره روسيا، ويبدو أن اعتمادها على الصناعة العسكرية عطل بقية المنتجات المدنية التي هي حاجة السوق ومحركه.. روسيا ظلت صديقة وحليف معظم دول العالم الثالث فترة الاتحاد السوفيتي ومعظم دول الوطن العربي كان خيارها متناسباً مع تلك المرحلة التي كان الغرب بجناحيه الأوروبي والأمريكي، لا يزال يمارس عقلية المستعمر المتفوق، غير أن الوريث الروسي بدأ يفقد أعمدته عند أصدقائه بدول العالم، والمثال الصارخ الموقف من السلطة السورية التي عرت موقفهم، وكيف تحولت السياسة الروسية إلى مغرد خارج السرب عندما تؤيد بضعة أشخاص على الشعب السوري لمجرد أن سلطته منحت الروس بعض المواقع العسكرية، وبعض الاتفاقيات الاقتصادية، وهي ما فعلته مع ليبيا وخسرت كل شيء والشعب العربي بكليته بدأ ينظر للروس باستغراب، فهل تشابه النظامين السياسي بالوراثة في سوريا، والتداول المرفوض من الشعب الروسي، هو عقد الزواج بينهما؟ روسيا تظل مهمة للعالم، ليس لقوتها العسكرية التي تأتي ثانياً بعد أمريكا بالترتيب، بل ظلت عبئاً على تكاليف تخزينها وصيانتها، لكن إمكاناتها الأخرى لاتزال حافزاً لتطويرها والصعود بها إلى الأعضاء المتفوقين في نادي الكبار، والحاجة الروسية ليس الاعتماد على ماضي القوة العظمى السوفيتية، بل روسياالجديدة التي من المفترض أن تخط لها طريقاً آخر لا يعتمد على العداوات القديمة بين شرق وغرب، بل بقيم الحاضر الذي أصبحت موازين القوة تقاس بالناتج العام والاكتشافات السريعة لا الاعتماد على منطق المعارضة السياسية لذاتها.