لقد ترعرعت مع بداية الحرب العالمية الثانية حين كانت المملكة المتحدة لاتزال تقنن المواد الغذائية وكانت آثار الدمار الذي خلفته القنابل واضحة في لندن و المدن والقرى الأخرى في وقت عمت فيه الكآبة وغلب اليأس على طابع الحياة وفقد الناس الإحساس بالتفاؤل. اصطبغ العالم باللونين الأبيض والأسود.. وإني أذكر في مطلع السبعينات حين سأل طالب يدرس لدى شقيقتي "متى أصبح العالم ملونا ؟" معتقدا بأن اكتشاف التلفاز الملون جاء نتيجة لأن العالم أصبح ملونا وليس بأن الفضل يعود للتقدم التكنولوجي. ومنذ ذلك الحين يشهد عصرنا عقودا من الازدهار والتطور إلى أن ضربت الأزمات في السنوات الأخيرة البنوك والديون ومنطقة اليورو. فعندما عدت إلى لندن قبل عدة أسابيع ، قام وزير المالية البريطاني بإصدار بيانه الخريفي الذي أشعرنا بلسعة برد عكست الوضع الاقتصادي السائد حينما نصح الشعب البريطاني بضرورة شد الأحزمة في السنوات القليلة المقبلة. تعيش المملكة العربية السعودية حالة جيدة نسبيا في غمار الوضع الاقتصادي الذي يعيشه العالم الآن. وذلك ليس بفضل الثروة النفطية وحسب بل أيضا نتيجة لإدارتها المالية والاقتصادية الحكيمة. وبالطبع لا يخلو أي بلد من بعض المشاكل، مثل محاولة تلبية التوقعات العامة وحل مشاكل البطالة وغيرها من الأمور. إلا أنني أتوقع أن كثيرا من الدول تفضل أن تتبادل الأدوار مع المملكة العربية السعودية. ومن جانب شخصي ومع الأخذ في الاعتبار حظي الجيد الذي وضعني في منصبي الشيق هذا، فإني أرفض أن يتسلل الاكتئاب إلى نفسي. وبالرغم من أن الواقع الاقتصادي الكئيب ليس هو المحرك الوحيد لأفكارنا ومشاعرنا، فإن هذه الأوقات العصيبة تمثل فرصة للناس للتعبير عن اهتمامهم بالآخرين والعمل معاً للمضي قدماً عوضاً عن تحقيق مكاسب على حساب بعضهم البعض. إنني أرفض أن أشعر بالأسى نحو بلادي أو أوروبا بشكل عام. إذ إنني أؤمن بأن لدينا العبقرية اللازمة للإبداع والقدرة على الابتكار والأنظمة السياسية القوية القائمة على الاستماع لمطالب الشعب. ولا تزال المملكة المتحدة متمسكة بالتزاماتها تجاه الاتحاد الأوروبي بغض النظر عما تطرقت إليه بعض عناوين الصحف هذه الأيام. لم تعتمد بريطانيا اليورو عملة لها، كما أنها لا تعتزم القيام بذلك، إلا أننا بالطبع نأمل بالتوصل لحل ناجح وسريع لأزمة منطقة اليورو ونقدر الجهود المبذولة بهذا الشأن لتحقيق الاستقرار والازدهار في جميع أنحاء أوروبا – بما في ذلك بريطانيا- والعالم أجمع. ففي اجتماع المجلس الأوروبي في مطلع هذا الشهر طلب رئيس الوزراء البريطاني، السيد ديفيد كاميرون، عددا من الضمانات التي تحد من التمييز ضمن "السوق الواحدة" والالتزام بالأسواق المفتوحة والتجارة الحرة ضمن أوروبا التي تعد من الأمور الجوهرية بالنسبة للاتحاد الأوروبي. وفيما تعد لندن المركز الدولي الرائد في مجال الخدمات المالية في العالم، فإننا نطمح للحفاظ على المنافسة المتكافئة بين شركات الخدمات المالية في جميع الدول الأوروبية. ولاتزال المملكة المتحدة تعد بوابة العبور الأولى إلى أوروبا – إذ إنها تمثل حلقة وصل إلى 27 دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وبناء على النتائج التي توصل إليها البنك الدولي، تعد المملكة المتحدة من أحد أيسر الأماكن لإدارة الأعمال في أوروبا. إذ لا توجد قيود تذكر على تأسيس الأعمال ، وتملك نظاما يعد من ثالث أقل الأنظمة تقييدا فيما يخص التجارة والاستثمار. كما يعد سوق العمل في المملكة المتحدة أحد أكثر الأسواق سلاسة ويتسم بمهاراته العالية جدا. ولذلك يعد هذا الوقت مثاليا لقيام المستثمرين السعوديين والشركات السعودية باغتنام فرصة الوضع الحالي في المملكة المتحدة والإمكانيات المتوفرة لتحقيق مستقبل أكثر ازدهارا. إذ إن هناك فرصا عظيمة للاستثمار، فلقد تم تقليل الضرائب المفروضة على أرباح الشركات وسوف يتم إصدار أنظمة ضريبية جديدة وضعت خصيصا لتشجيع الشركات الدولية على تأسيس أعمالها في بريطانيا. ويعد ذلك أحد الأسباب التي تدعوني إلى محبة عملي كسفير حيث انني أعمل على تطوير العلاقات التجارية والاستثمارية بين المملكتين وكذلك بناء شراكة إستراتيجية للعمل سويا على القضايا الدولية المعقدة التي نواجهها. وإنني أؤمن بقوة هذه الروابط الثنائية بقدر إيماني وتفاؤلي بالمستقبل. *السفير البريطاني لدى المملكة