تمرّ على الإنسان فترة من عمره قضى فيها العديد من المواقف والسلوكيات الخاطئة التي صمت عنها في ذلك الوقت.. وبعد مرور الزمن أصبحت تلك الذكريات وربما "الفضايح" تحظى بمكانة في الجلسات العائلية بروايتها وترديدها والتسلي بها، دون عقاب وتأنيب لأنها مضت عليها سنوات، ويستأنس الكثيرون بالحديث عنها؛ كونها تظل محفورة في ذاكرة الجميع، وتمثل ذكريات جميلة لا نخجل من البوح بها مثلما كان في حينها يتم التكتم عليها واعتبارها سراً عظيماً لا يمكن افشاؤه. الخوف من البوح ثقافة «ياويلك من أبوك» زرعت فينا الخوف إلى درجة الكذب وإذا درى عن المشكلة «تاخذ طراقين زي الحلاوة» بداية، قالت "مها الحارثي" أنه لابد لكل شخص "فضائح" ومشاكل في مراحله العمرية لاسيما في عمر المراهقة، مضيفة: "جيلنا السابق لا يستطيع البوح بأي خطأ أو زلة مهما كانت صغيرة أو كبيرة، فبالتالي يصمت عنها وعندما تمر عليه سنوات طويلة يبوح بها لأنه لن يوبخ أو يعاقب على عمله"، موضحة أن الأهل في الماضي لا ينتبهون لما فعل الابن، لكن الأهم عدم الوقوع في الخطأ، وربما أخطئوا ولكن بصمت!. سبب تربوي وأرجعت "هبة السلامة" الصمت عن تلك الأخطاء وعدم الحديث عنها طيلة السنوات الماضية إلى عدم تقبل الأهل للأخطاء، وتحذير أبنائهم منها، وعدم تجاوزها والتخفيف من حدة العقاب، الأمر الذي ساهم في الصمت عقب عمل الأخطاء، التي وإن كانت يسيرة إلاّ أنها تتصور في الأذهان بمثابة "مصيبة"، مشيرة إلى ان التربية سابقاً وأساليب العقاب المستمرة جعلت الكثيرين لا يبوحون بأي خطأ ولو كان صغيراً. أجمل الأوقات ووصفت "مي الشبل" جلسات "الفضايح" بأجمل الجلسات العائلية التي تستمتع بها، وتجعل الكل يتحدث عن ما قد صمت عنه دهراً بأخطاء قد تكون كبيرة في وقتها، وقد تمسهم في هذا الوقت، قائلة: "في بعض الأوقات يمر موقف على أحدنا ويتذكر ماعمله وهو صغير وإنكاره لذلك فترجع ذاكرته للوراء ويصفح عنه لأنه سبق وأن بَدر منه هذا التصرف ولم يعاقب عليه"، فتظل الأخطاء مدرسة يتعلم منها الأبناء. أمر طبيعي وأوضحت "الجوهرة محمد" أن الكشف عن الأخطاء المرتكبة في الصغر حتى وإن كانت كبيرة يعد أمراً طبيعياً لأن وقت عقابه انتهى ومضى، راوية أحد مواقفها في يوم أن كانت طفلة صغيرة: "كنت أتسلل إلى غرفة والدتي وآخذ منها بعض المال لشراء الحلوى وتتسائل والدتي من أين لك هذا؟ وأقول لها من مصروفي اليومي"، مبينة أنها عندما كبرت أوضحت القصة لوالدتها. الأخ "عليمي"! وكشف "سامي عبدالله" قصة لقب "العليمي" قائلاً: "أطُلق على أخي بسبب الصدمات المتكررة في سيارته، حيث يعتقدون أنه لا يجيد القيادة وجاهل بمبادئها، إلاّ أنني من استخدم سيارته في الظهر أو منتصف الليل وأعود بها للأسف على غير حالها، وأضع مفتاح السيارة في مكانه، وعندما يرونه يعتقدون أنه (العليمي) رغم أنه سائق ماهر، ولا يعلمون عني وعن مواقفي مع سيارته شيئاً حتى كبرنا وبحت لهم بهذا السر، إلاّ أنني لم أفلت من العقاب الرادع منهم". هروب المجتهد وذكر "عبدالمجيد فهد" أنه كان في نظر والديه طالباً مجتهداً ومثابراً في المدرسة، وفي يوم الأيام اتفق مع مجموعة من زملائه بالهروب من المدرسة، وهربوا فعلاً، مكملاً: "عند عودتي من المدرسة تحدثت لوالدتي عن الطلاب الذين هربوا وكأنني لست منهم، وأبدت استيائها وتذمرها من هروبهم، وتحمد الله أن ابنها ليس منهم، وبعد تخرجي والتحاقي بوظيفة، أخبرتها بقصة الهروب". صمت الخوف وأكدت "أم ماجد" على أن الخوف من العقوبة أحد مسببات الصمت في الصغر، مبينة أن كتمان الأبناء لأخطائهم هو بالأساس خوفاً من الكبار، مضيفة: "في السابق لم يكن لدينا دراية بأساليب العقاب، فكان منحصراً على الضرب فقط، ولم نكن نعرف وسيلة حرمان أو وسائل أخرى، وهذا ما جعلهم حين يكبرون يبوحون بما هم عليه في مراحلهم العمرية الأولى"، حيث إنهم لو باحوا بها في ذلك الوقت قد تكون مصيبة بالنسبة لهم، فيتخذون "الصمت" إلى أجل غير مسمى. عقاب قاسٍ وبينت "هدى صالح" أن عقاب والدتها كان قاسياً لدرجة أنها لا تستطيع البوح به، ويصل عقابها إلى الحرمان من الذهاب إلى المدرسة، أو الحرمان من الجلوس مع الضيوف، بل والضرب الجسدي، مضيفة: "كنا نتآمر أنا وأخوتي بحيث تغطي كل واحدة على الأخرى، لكي لا ننال عقابها القاسي، وهذا الأمر جعلنا نصمت طيلة فترة الخطأ الذي عملناه ولا نتحدث به أبداً". ألقاب وصفات وأشارت "فاطمة إبراهيم" إلى أنهم في منزلهم يطلقون على الشخص الذي يعمل أي خطأ صفة معينة مثل "السروق" و"الكذوب"، مبينة أنها تنكر دائماً حتى لا تلتصق بها أحد تلك المسميات، وتحلف بأنها لم تفعله وهي في الأساس من فعله، وذلك لإبعاد الشك عن النفس. أروع الأيام وتذكرت "نوف السعيد" أيامها التي قالت إنها لن تنساها، برغم العقوبات التي جنتها من مغامراتها، واصفة تلك الأيام بأروع أيام حياتها، ولا يزال الحديث عنها من أمتع ما نتبادله من ذكريات، قائلةً: "لو عوقبنا فنحن نعاقب بأسلوب يظل محفوراً في ذاكرتنا، ونربي ابناءنا عليه، ونرى اخطائهم ونتذكر ما كنا نعمله فيما مضى، فالكثير من ابنائنا يخطئون وعند معاقبتهم نتذكر نفس الخطأ الذي ارتكبناه ونخفف عنهم العقوبة"، مشيرة إلى أن المراحل العمرية الأولى يحصل فيها العديد من الأخطاء التي أنكرناها في الماضي ولم يعاقبنا أحد عليها، فكيف نعاقب أبنائنا بها رغم اعترافهم بها.