مؤسفة هي الثقة التي تمنحها لأشخاص وأنت في حالة ضعف، وتكتشف فيما بعد أنّه خائن أراد لك الفتنة والفضيحة.. فإذا ضاق صدر المرء عن سرّ نفسه فصدر الذي يستودع السر أضيّقُ إنّ أسرار الفتاة -خصوصاً المراهِقة- يجب أن تبقى في ملاذ آمن وصادق؛ فإن لم تكن كذلك فالأمر خطير على حياتها ومستقبلها، فكم من فتاة أودعت أسرارها في علاقات خاطئة؛ مما هدد حياتها وعرّضها للوقوع في خطأ أكبر، فهذه المرحلة تعجّ بالكثير من المتغيّرات النفسية والعقلية والجسمية والعاطفية، فتصبح بحاجة إلى احتواء تام وإلى عناية خاصة وتوجيه خاص، ذلك أنّ أسرارها وعلاقاتها الاجتماعية قد تحدد مسيرة حياتها مستقبلاً، فإذا مرّت مرحلة المراهقة على خير؛ فإن أثرها سينعكس على بقية مراحل العمر، كما أنّ زرع الثقة، ومنح الاستقلالية، وبناء جسور التواصل معها؛ يعطيها مساحة أكبر من الحرية المنضبطة في البوح بأسرارها، والحرص على اختيار صداقات جيّدة، والتصرف بعقلانية، إضافةً إلى أنّ تخفيف القيود الأسرية عليها يشعرها بالاستقلال الذاتي..وهو المهم. خيانة الأمانة كان من الصعب جداً أن تستوعب "عهود" فداحة الأمر الذي عصف بها ورسم أسفل إسمها خطاً أحمر غامقاً!، لم تكن تعلم أنّ العلّة تكمن في إيداعها سراً صغيراً بقلبٍ لم يُحكم إغلاقه، لأنّ بابه بالأصل كان مخلوعاً، فحين يكبر السر الدفين في قلبٍ صغير بريء فإنه يتصلّب ويشتدّ ويتحول إلى صخرة ثقيلة تجثم بقسوة فوق صدر حامله، ويدفع ليفتش عن "بئر" ليس لها قرار في قلب صديق أو قريب يشاركه حمل هذا العبء، إنّما آفة اللسان تحمل في طياتها ماهو أعظم من الكذب "خيانة الأمانة".. "عهود" غدرت بها صديقتها وكشفت سرّها، فعلِم الناس بأمرها، ووصمت بالعار والخزي، لتنال عقاب أهلها وتحبس في منزلها!. تغيّر مفاهيم الصداقة تتذكر "عهود" حتى هذه اللحظة اللؤم الذي اتصفت به صديقة العمر حين وثقت بها وأفشت لها سرّها وأخبرتها بقصة حبها العذري لإبن الجيران، فما كان من صديقتها إلاّ أن تحدّثت بسرّها للبعض، بل وزادت و"ألّفت" على القصة.. "عهود" أتعبها "سرّها" الذي لاحقها كشبح يصرخ في وجه من حاول أن يتخذها زوجة له.. كانت عصفورة بريئة جرحها الزمن فتعلمت درساً قاسياً، بعد أن اختلفت الأمور وتغيّرت المفاهيم وانقلبت رأساً على عقب، وانتزعت من الصداقة قيمها، وراح - من يفترض أنّهم أصدقاء - يهتكون الأستار ويفشون أسرار من أئتمنهم وفتح قلبه لهم، وباتوا لا يحفظون العهد ولا يكتمون أمراً، متناسين أنّ الإنسان لا قيمة له بدون أخلاقه وسلوكه ووفائه، وحفظ أسرار الأصدقاء وكتمها هي قيمة كبرى يقاس من خلالها معدن الصديق ووفائه. الانتقام من صاحب السر وكشفت "زهراء يوسف" عن تجربة مماثلة حول صدمة الأصدقاء في خيانة الأمانة وإفشاء السرّ، مشيرة إلى أنّها مجروحة في الصميم، فالألم الذي زرعته صديقتها في قلبها أعظم من كل ما قد اجتاحها قبله، حينما كانت تتوهم أنّها تملك شخصاً أهلاً للثقة تودع لديه حقيبة أسرارها، ويحفظ العهد ويبقى وفياً لها صادقة معها، مبينةً أنّ من يفشي صديقه قد لا يكون ذلك غرضه الوحيد، وإنما قد يكون من باب الشكوى أو قد يرى أن السر ليس مهماً لدرجة أنّه يجب الاحتفاظ به، وأحياناً يكون من باب الانتقام من صاحب السر، مضيفةً: "وعلى كل حال لو حفظ الإنسان سرّه في قلبه ولم يبح لأحد به لما انكشفت أسراره، فالسر الذي يخرج من بين الشفتين لم يعد سراً". حسن التوجيه وترى "نسرين محمد" -مرشدة طلابية- أنّه يجب عدم إفشاء أسرار الفتاة المراهقة تحت أيّ ظرف كان، ولو لأقرب المقربين إليها، فكثير من الأمور قد تبدو عادية في مفهوم المجتمع لها، وإنما هي ليست كذلك لدى الفتاة وتبدي تحفظاً واضحاً عليها، ذاكرةً أنّ معظم المشاكل التي تتعرض لها الطالبات في مدرستها -وتصل أحياناً إلى تدخل الأهل- يكون سببها أسرار أو أخبار مغلوطة تتداولها الفتيات عن بعضهن البعض، وسواءً كانت هذه الأخبار صحيحة أو إشاعة لغرض تشويه سمعة الفتاة فإن خطرها بالغ قد يلازمها حتى بقية مراحل حياتها، مؤكدةً على ضرورة تقبّل الأهل الأخطاء الصغيرة الصادرة من ابنتهم بنفس راضية والتي لا تسبب ضرراً، وعدم تصديق أيّ إشاعة أو خبر إلاّ بعد التثبت من مصداقية الأمر، وتشجيعها إن أحسنت التصرف، ونصحها إن أخطأت، لأن حسن التوجيه واللباقة لها تأثير السحر، وبالتالي تتقبل الإبنة توجيهات الكبار بنفس راضية، وتشعر بالاحترام والقبول تجاههم، كما يلزم على الأهل تكوين صداقة مع المراهقة، فهذه الصداقة من شأنها أن تجعلها تشكو همومها وتبوح بأسرارها إلى أختها أو والديها -وهم الأعرف بمصلحتها- بدلاً من اللجوء إلى الغرباء، بالإضافة إلى أنّ تخصيص وقت كاف للجلوس معها يومياً حتى تشعر بالدفء العاطفي والتواصل والاهتمام بها، ومساعدتها فى اختيار الصحبة الصالحة من الصديقات قبل أن تختار هي بنفسها أشخاصاً يظهرون لها خلاف ما يبطنون.