دخلت «هبة» عالم الفضيحة بواسطة «كبسة زر» على لوحة المفاتيح أثناء دردشتها في أحد المواقع الالكترونية الممتلئة بالمتربصين عن ضحايا جديدة يوقعون بهن في كل مرة.. «هبة» خانتها خبرتها بسبب صغر سنها، حيث إنها طالبة في المرحلة المتوسطة، وتعتقد أن «النت» عالم رحب يسمح فيه بكل ما هو غير متاح في واقعها.. حتى عاشت أضحوكة «حكاية حُب»، و»وهم» و»خديعة»، عندما دخلت في فضفضة مع شاب في العشرين من عمره. مضت «هبة» تُحلّق في أوهام طويلة لفارس أحلام سيأتي يصطحبها على فرسه الأبيض، وينقلها إلى قصوره الجميلة.. بعد وعدها بتحقيق أحلامها وأكثر عندما يتقدم لخطبتها، ولكن بناءً على رغبته ليس قبل أن يتعرف عليها أكثر، ويراها؛ حتى يحدث بينهما تقارباً وقبولاً كما أوهمها بذلك.. وهي بدورها لم تتردد في بعث صورتها إلى شاب كل ما تعرف عنه أن اسمه الافتراضي «نبيل» عندما تدخل «النت».. وتمضي الأيام حاملة كثير من التنازلات من قبل فتاة صغيرة أقصى ما كانت تحلم به قصة حُب متوجّة بزواج، حتى لو وصل الأمر إلى مرحلة كشف الأقنعة والتهديد بالصور والرسائل الإلكترونية، فإما تقديم مزيد من التنازلات والإنصياع لقائمة طلبات «نبيل» التي لا تنتهي وإما «الفضيحة»!. ليس من الصعب تأمل مثل هذه المواقف المتكررة في المجتمع لعدد من الأخطاء المنتهية ب»فضيحة».. أو الاستسلام لنتائج التنازل والخضوع خوفاً منها -أي الفضيحة-، إلاّ أنه من الصعب جداً أن يعيش المرء ضحية لأخطاء تخلق منه فريسة للاستغلال خوفاً من الفضيحة، وتحديداً حينما لا يجد المرء مهرباً سوى السعي نحو غطاء أخطائه خوفاً من صدمة آخرين، أو خسران زوج، أو خوفاً من فضيحة يتبعها أخرى، عندما يبدأ العد التنازلي في تقديم التنازل لمن يهدد بالفضيحة. بعث الفتاة صورتها إلى شاب يهددها أقل ضرراً من الخروج معه أو تمكينه مما يريد والسؤال: هل يستطيع البعض تخطي خوفه من الفضيحة، والقفز فوق السور العالي لها بمواجهتها والتغلب عليها بحكمة حتى إن وجدت الخسائر؟، أم أن الصمت لتفادي الفضيحة هو ما يفضله الكثيرون حتى يتخلصوا من انتقاد المجتمع لهم، ورفض أُسرهم لهم؟، أم أننا دائماً بحاجة إلى الحذر المُحاط بعناية حتى لا نقع ضحايا لمن يهمه أمر فضيحتنا؟. تفاوت نظرة ترى «أنيسة الحمد» أنه من الصعب جداً مواجهة «الفضيحة» خاصةً من قبل الفتاة في مجتمع يصر دائماً على أن الخطيئة لا تغتفر من «الفتاة»، في وقت يتفهم المجتمع ويمحو أخطاء وجرائم «الرجال» من منطلق ذكوريتهم، وحملهم «عيبهم»، في حين أن الفتاة تدفع ثمن أخطاء، أو ربما ملاحظات بسيطة حتى إن لم تتعلق بها مباشرة، مفسرة تلك الحالة أنها تناقض كبير في النظر إلى الفضيحة. وأضافت:»ربما يجد الشاب السارق من يزوجه، بينما تقل فرص شقيقه السارق بالزواج؛ لأنها أخت السارق، وتلك من أكبر التناقضات الدافعة إلى التفكير جيداً قبل قرار مواجهة الفضيحة وعدم التنازل لاستغلاله»، ذاكرةً أنها تفضل مبدأ الستر وعدم تقديم الشجاعة عندما يتعلق الأمر بسمعة وشرف فتاة؛ لأن ذلك الموضوع حساس ليس على مستوى الأسرة فحسب، وإنما تبقى الفتاة تدفع الثمن حتى إن تخلصت من استغلال يهددها بالفضيحة؛ لأن الصمت على الفضيحة استغلال، وفي مواجهتها استنقاص وخسران لا يصفح عنه المجتمع أبداً. شجاعة مواجهة واختلفت معها «هند إبراهيم»، مؤكدةً على أن الخوف من الفضيحة سيدفع صاحبها أن يكون دائما ضحية تنازل دائم حتى يصل إلى وضع أسوء من الفضيحة ذاتها، وربما ساهم في أخطاء وفضائح أخرى، حتى تتحول الفضيحة الواحدة إلى عدة فضائح تجر بعضها بعضاً لأن المُستغل لا يتوقف عند حدود الطلب الواحد، بل يبقى يواصل استغلاله، وربما يستغل آخرون أيضاً. وأشارت إلى أن الحالات المعلنة في الإعلام، أثبتت وجود جشع في استغلال الضحية بشكل متواصل، مستشهدةً بحادثة المُعلّمة والرجل الأجنبي الذي استبزها بعد أن تعّرف عليها وأخذ يطلب مبالغ مالية وصلت إلى أرقام كبيرة اضطرت حينها المرأة إلى التنازل خوفاً من الفضيحة، مشددة على أن المرء يجب أن يكون شجاعاً في مواجهة تلك المواقف؛ فوقوع الخطأ لا يعني أبداً عدم وجود حل لوقفه، إذ إن الفتاة المتعرضة لمشكلة قد تصل بها إلى الفضيحة مطالبة أن تتصرف بذكاء في حلها باللجوء إلى من يستطيع أن يقدم لها المساعدة أو الوقوف معها سواءً أكان ذاك الشخص من الأسرة أو من خارجها؛ حتى تستطيع التخلص من خشية الفضيحة. حماية أسرية وأكدت «داليا الرشيد» على أن الأسرة تلعب دوراً كبيراً في احتواء فضيحة أي فرد ضمنها، وذلك بتجاوز مرحلة الصدمة والإسراع في احتضان الحالة، وتفهم المشكلة، وحماية من يقع في الفضيحة من الاستغلال، ومنع تسرب تلك الفضيحة، منددةً بما يحدث من بعض الأسر باتخاذ سلوكيات غير حكيمة في التعامل مع المشكلات، والإسهام في تفاقمها، وممارسة ضغوط على من أخطأ؛ تدفعه لارتكاب حماقة جديدة، أو التصرف بشكل يشعل نيران الفضيحة. ونوّهت بدور الأسرة الكبير في امتصاص المشكلة، ومنع تفاقم الفضيحة بمحاولة استيعاب المشكلة، وحماية المقترف للخطأ من استغلال الآخرين له، لافتةً أن مرتكب الخطأ -ابن او ابنه- إذ شعر أن أسرته تسانده وتحميه، فإن المُستغل للفضيحة لن يواصل طريقه السيء، حيث إن حل المشكلة تحتاج إلى علاج الخلل الموجود في صاحب الفضيحة وهي في المرحلة الأولى. مهارات فردية وذكرت «منى الشافعي» -أخصائية تطوير وموارد بشرية ومهتمة بالشأن الاجتماعي- أنه من الصعب جداً تشجيع الفتاة أو الشاب على مواجهة الفضيحة خاصة الفتاة؛ لأن لذلك تبعات كبيرة تتحملها الفتاة من واقع بيئتها وعلى حساب أسرتها ووضعها الاجتماعي، إضافةً إلى أن المواجهة بحد ذاتها تعد أمراً صعباً يعتمد على مهارات فردية معينة، مما يجعل الشخص أمام خيارين إما الصبر على الاستغلال والتنازل الدائم من أجل الستر، أو التعرض للفضيحة ومواجهتها. وأضافت:»إن من قمة الشجاعة أن يقرر الإنسان مواجهة الفضيحة، وعدم الخضوع للتنازل، وأحيّي الفتيات اللواتي كسرن حاجز صمتهن وتحدثن عن معاناتهن من التعرض للعنف أو التحرش؛ لأن تلك شجاعة تُحسب للمرأة من منطلق نظر المجتمع أن الرجل يحمل عيبه أما الفتاة ففضيحتها عار عليها وعلى أسرتها وعائلتها وهنا تكمن إزدواجية المعايير». وطرحت «الشافعي» عدداً من الحلول لمساعدة الفتاة بُغية النجاة من فضيحتها، مثل اللجوء إلى أهل الحُسبة؛ كنوع من الحلول المستترة على الصعيد العام، ولكن العكس على صعيد الأسرة، إلى جانب الدعم العائلي، من خلال تكوين قدرة نفسية عالية للمواجهة، منوهةً أن الطريقة المُثلى لمواجهة الفضيحة تكمن في تقديم النصيحة بالقلم والمسطرة من خلال معرفة المكاسب والخسائر، ومدى القدرة على تحملها في الواقع، ذاكرة أن من يقدم النُصح بمواجهة الفضيحة يتوقف دوره عند هذا الحد، بينما يدفع الثمن من يمضي في ذلك القرار. وأوضحت أنه من الصعوبة تحديد حجم الحالات في المجتمع المتعرضة للفضيحة، وهل تعرض الفتاة للاستغلال خوفاً من الفضيحة أكثر من الرجل أم العكس، كون بعض الذكور تعرضوا لابتزاز ووقعوا ضحية للتنازلات خوفاً من كشف فضيحتهم. حكاية البرواز وبيّنت أن البرواز الاجتماعي الجميل هو ما يحرص الجميع على إظهاره أمام الآخرين، ولذلك يتفق الجميع على الخوف من كسره على الملأ، فيتم مداراة بعض الأمور خشية أن يكتشفها الآخرون، مما يجعل البعض يكتمون حتى الأمور البسيطة عن أصدقائهم والمقربين؛ لاعتبارها جزءاً من الفضيحة دون أن يتم حصر الفضيحة في الأمور الكبيرة. وحول مدى تقبل المجتمع لمفهوم الفضيحة والوعي بحال من يقع بها، أوضحت أن لفظة فضيحة تحدد انطباع المجتمع؛ لأنه تعبير قاس ينقده المجتمع، حتى عند التعبير عن الحالة يحمل سمة الرفض الاجتماعي، وذلك بتسميتها فضيحة، وليست مشكلة عابرة، من خلال استخدام مفردات تحمل صفة التهويل، حتى إن كان في واقعه أمر كبير وشائك من الصعب التقليل منه. وأوضحت أن دور رعاية الفتيات مازالت قاصرة عن استيعاب ضحايا العنف والفضيحة، حيث تعود الفتاة إلى دار معنفين سواءً كان زوجاً أم أباً أو أخاً، فتتضاعف الإشكالية في ظل عدم وجود مصادر حماية؛ نظراً لأن المؤسسات الأهلية والحكومية ليست كافية.