في هذه الأيام تمر منطقة الخليج والشرق الأوسط والعالم العربي والإسلامي بظروف استثنائية عمادها الفوضى والتدخلات الخارجية والانقسامات الداخلية، وتأجيج الخلافات الطائفية والعرقية والقبلية والحدودية، فإيران تدس أنفها ويدها في دول الخليج وتتدخل في شؤونها الداخلية والوضع في اليمن ومصر والسودان وسورية والصومال وأفغانستان والعراق ولبنان ليس بخاف على أحد وبالتالي فإن الدول التي تنعم بالأمن والاستقرار هي الاستثناء ومنها المملكة العربية السعودية التي سقط على صخرة وحدتها الوطنية رهان المتآمرين والمحرضين في بداية الربيع الدامي العربي حيث قال الشعب السعودي بصوت واحد لا للفوضى ونعم للنظام. نعم إن وحدة الكلمة مطلب وطني في كل زمان ومكان لكنها في هذه الأيام وتحت الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة أصبحت أكثر من واجب يجب أن ينضوي الجميع تحت لوائه فنحن في غنى عن الشوشرة والإثارة مهما صغرت فمعظم النار من مستصغر الشرر إن الأمن والاستقرار ثروة يجب أن نحافظ عليها ونعض عليها بالنواجذ من خلال وحدة الكلمة.. فكل الأمم والشعوب يوجد فيها قوى وتيارات متباينة الآراء والاتجاهات ولكن المحصلة في الحكم هي رأي الأغلبية.. على أن تلك الاختلافات مهما اشتدت تختفي ويتوحد الجميع خلف القيادة إذا كان الوطن في خطر. أما من يستغل الظروف الزمانية أو المكانية الاستثنائية التي يمر فيها أي وطن من الأوطان فيعتبر انتهازياً يمتلكه حب الظهور أو التسلط. وفي ظل وجود جهات خارجية تبحث عن ثغرة أو ثغرات تدخل منها إلى النسيج الوطني تمكنها من دق اسفين الخلاف بين القيادة والشعب، وفي ظل وجود القنوات الفضائية التحريضية الموجهة التي تجعل من الحبة قبة وفي ظل وسائل التواصل الاجتماعي غير المنضبطة يصبح التصريح أو النقد السلبي وسيلة تشويش وبعث للهرج والمرج ولذلك فإن هذه الأساليب مرفوضة جملة وتفصيلاً. حتى وإن صدقت نية فاعلها لأن تحريف الكلام عن موضعه من أهم الوسائل المتبعة من قبل الإعلام المنحرف سواء أكان تقليدياً أم الكترونياً. نعم لقد أصبح من المعروف والمؤكد أن الحوار وسيلة حضارية تتم بين طرفين حاضرين لكل منهما أجندته ومنطلقاته من أفكار وآراء يريد طرحها على طاولة الحوار أو النقاش أو إبداء الرأي أو المطالبة بالتطوير أو الإصلاح بعيداً عن وسائل الإعلام الغوغائية حتى ينضج الحوار وتتحقق المطالب من خلال الالتقاء على أرضية مشتركة ينبثق عنها اتفاق توضع له آليات تنفيذية وهذا يعني ان للحوار وإبداء الرأي والمطالب أسساً وحدوداً واعتبارات يأتي في مقدمتها ما يلي: * أن يكون الحوار أو إبداء الرأي أو المطالبة بالاصلاح صادراً عن نية صادقة وليس الغرض منه الاستعراض واستغلال الظروف المتاحة للبروز والظهور بمظهر الحريص على المصلحة العامة. * أن يكون الحوار أو، إبداء الرأي أو المطالبة بالإصلاح مبنياً على الحقائق وليس مبنياً على المغالطة والتشويش والإثارة من أجل التحريض والتعبئة. * أن يكون الحوار أو الرأي المطروح أو المطالبة بالاصلاح يهم الغالبية العظمى من الناس وهذا التوجه هو ما بنيت عليه أسس الديمقراطية الحديثة. * على من يريد الحوار أو إبداء الرأي أو المطالبة بالاصلاح أن يكون مستمعاً وقارئاً ومطلعاً جيداً قادراً على الفهم وبالتالي يكون ملماً بجميع أبعاد ما يريد الحديث عنه. فكلّ من المحاور ومبدي الرأي والمطالب بالإصلاح يشبه الطبيب عليه أن يستمع أولاً ثم يبدي رأيه ثانياً وهذا يعني انه إذا لم يستمع فإنه سوف يصف الدواء الخاطئ ولك أن تتخيل النتيجة. * أن يبحث المحاور أو مبدي الرأي أو المطالب بالاصلاح عن النقاط المشتركة التي تجمعه بالطرف الآخر وذلك من أجل الوصول إلى توافق وأرضية مشتركة وبدون ذلك تصبح المطالب عقيمة لأنها تمثل وجهة نظر محدودة. * أن ضبط النفس وعدم الاندفاع يجعلان من يقوم بالحوار أو إبداء الرأي أو المطالبة بالاصلاح والتطوير أكثر واقعية وأقرب إلى الحقيقة وبالتالي ينجح حواره ويقبل رأيه، فالهدوء والعقلانية والبعد عن التشنج من أهم وسائل القبول والرؤية الواضحة. * أن للحوار والمطالب طرفين فلا يجوز لطرف التفرد بالقول أو إلقاء التهم أو التجريح أو إثارة المشاعر من خلال وسائل الإعلام. * أن الحوار أو إبداء الرأي أو المطالبة بالاصلاح يجب أن لا يفسد للود قضية وهذا يتم عبر القنوات المتاحة وليس من خلال الإعلام الفاضح لأن الأخير تنقصه شروط وأسس الحوار السليم وبالتالي فهو يفسد للود قضايا. * أن لكل مرحلة ظروفها الزمانية والمكانية والسياسية والاجتماعية والأمنية والثقافية وبالتالي يجب أن تؤخذ أبعاد تلك المتغيرات وانعكاساتها على كل من الوطن والمواطن بعين الاعتبار عند الحوار أو إبداء الرأي أو المطالبة بحيث تصب تلك الفعاليات في خانة الصالح العام وبالأسلوب الذي يشد من أزر الوحدة الوطنية ويقوي الجبهة الداخلية من خلال وحدة الكلمة. * أن الحوار وإبداء الرأي والمطالبة بالتطوير والاصلاح يجب أن يتخذ من النقد الايجابي منهجاً ووسيلة للوصول إلى الغاية وهذا يعني ان تُذكر الايجابيات جنباً إلى جنب مع السلبيات وذلك يحمي من أن يكون ذلك الحراك سلبيا غايته التحريض والصيد بالماء العكر. نعم إن وحدة الكلمة مطلب وطني في كل زمان ومكان لكنها في هذه الأيام وتحت الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة أصبحت أكثر من واجب يجب أن ينضوي الجميع تحت لوائه فنحن في غنى عن الشوشرة والإثارة مهما صغرت فمعظم النار من مستصغر الشرر. خصوصاً اننا في دولة تسعى حثيثاً نحو الانفتاح وتوسيع دائرة الحريات ولكن بأسلوب تدريجي فذ بعيداً عن القفز فوق الحواجز والمعوقات التي تحتاج إلى حلول ناجعة حتى نضمن نجاح تلك التحولات وهذا يحتاج إلى زمن وهذا بالتالي يحتاج إلى صبر.. فلا أحد ينكر التحولات الكبيرة التي مرت وتمر بها المملكة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله -. من خلال ذلك كله أستطيع أن أقول بأنه لا أحد فوق مستوى النقد إذا كان من يقوم به صادقاً ملتزماً متجرداً من الميول والتحيز والأهواء الشخصية وملتزماً بشروط وأسس الحوار ونزاهة الكلمة ناهيك عن أن يكون موضوعياً ومنطقياً معبراً عن رأي السواد الأعظم من الناس، وهذا بالطبع يشمل من يظهر في بعض القنوات الفضائية أو يكتب البيانات ويضمنها بعض المطالب والآراء دون أخذ ضوابط وشروط ومتطلبات حرية الرأي بعين الاعتبار ما ينعكس سلباً عليهم من جهة ويسبب إثارة العامة من جهة أخرى. ولا أدل على ذلك الخلل من ترحيب بعض القوى الأجنبية بمثل تلك الممارسات خصوصاً تلك التي يهمها عدم استقرار المملكة ونشر الفوضى بها. إن البيان الذي تم نشره لا تنطبق عليه أسس ومعايير الحوار وإبداء الرأي السابقة الذكر وهذا يعني أنهم لم يفكروا بما قد يلحقه تصرفهم من ضرر لوطنهم خصوصاً تحت الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة والتي تستوجب على الجميع الحذر والحيطة والرقي إلى مستوى التحدي الذي تواجهه المملكة في ظل الفوضى التي تمر بها المنطقة والتي لا تخفى على أحد والتي تتم تغطيتها إعلامياً على مدار أربع وعشرين ساعة، ليس هذا فحسب بل ان الأسلوب الذي كتب فيه البيان لا يرقى إلى مستوى الشفافية والمهنية والثقافية التي كان يجب ان يتمتع بها من كتبوه، قد تكون العناوين جذابة لكن الأسلوب والظرف الزماني وأسلوب العرض والنشر فرّغ الموضوع من مضمونه ناهيك عن تجاهله لكثير من الحقائق التي كانت السبب في الأحداث والتي اكتفى البيان بذكر ما ترتب عليها من أحكام أو اجراءات ناهيك عن خلط أوراق المطالب بين ما هو إصلاحي متفق عليه ويؤمن به الجميع على مستوى كل من القيادة والشعب، وبين ما هو أمني يجب ان يتم التعامل معه بحزم حتى يتعظ به غيره ويفوت الفرصة على من قل عقله أو أسلمه لرغباته الشخصية أو للمؤثرات الخارجية. إن إخضاع كل الأمور للمقارنة النسبية يجعل المرء يشعر بأنه في المرتبة الأفضل. أما المطالبة بالوصول إلى الوضع النموذجي فهو مطلب الجميع حكومة وشعباً يتم تحقيقه بصورة نسبية. من خلال تعاون وتكاتف الجانبين ومن خلال الحوار وإبداء الرأي اللذين يتقيدان بأسسهما وحدودهما وظروف الزمان والمكان دون أن يترتب عليهما آثار جانبية غير محمودة العواقب. وفي تصاريف الحياة عبرة لكل ذي لب سليم يسعى للحوار البناء والنصح الصادق.. وقد قال الشاعر: رب دهر تعبتُ منه فلما صرت في غيره بكيت عليه وقال آخر: زيادة القول تحكي النقص في العمل ومنطق المرء قد يهديه للزللِ وقال ثالث: قد يدرك المتأني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزللُ وعلى العموم فإن مصطلحات الحوار والنصح وإبداء الرأي وحريته والمطالبة بالإصلاح تضم كل منها بين حروفها معاني ضخمة ومساحات واسعة لا يجيد السباحة في فضائها إلا من التزم بشروطها وآدابها لضمان قبولها ولذلك فإن كلاً منها يعتبر سهلاً ممتنعاً حيث يجب على كل من يتصدى لها أن يكون مجرداً من المصلحة الذاتية على حساب الحق والعدل والمصلحة العامة.. والله المستعان.