إن تعدد الآراء في أية دولة من الدول عنصر قوة لا عنصر ضعف خصوصاً إذا كانت تلك الأفكار والآراء تصب في مصلحة الأمة ومصلحة وحدتها الوطنية دون مزايدة وهذا الأسلوب هو ما بنى عليه الغرب تقدمه فوجود الرأي المضاد أو ما يسمى المعارضة الوطنية التي تمارس عملها من خلال المؤسسات لا من خلال الإعلام فقط وهي في الغالب تقيم الأداء وتحد من الانحراف عن المسار، إلا أن كلا من الحكومة والمعارضة هناك تصبح صوتاً واحداً عندما يكون الوطن في خطر أو عندما تكون المصالح العليا للبلاد مهددة كما هو مشاهد في هذه الأيام على المسرح الغربي. إن وحدة الكلمة لها أهمية كبرى في تسيير أمور الأمم لذلك فإن الدول المختلفة تتفاخر فيما بينها بقوة الوحدة الوطنية وجميع المواطنين فيها حريصون على المصلحة العليا للوطن ومقدراته وهم على أتم استعداد للدفاع عنه بكل ما أوتوا من قوة كما أنهم حريصون على سد جميع الثغرات التي يمكن ان يدخل أو يتسلل منها العدو مهما كانت صغيرة ذلك أن الأعداء يضربون على وتر الفرقة وضرب الأمة بعضها ببعض وإحداث انشقاقات داخلية حتى وان كانت صغيرة ثم ينفخون بها حتى تصبح مزمنة مستغلين ضعاف النفوس وقصيري النظر الذين لا يعون ما يترتب على أقوالهم وأفعالهم من أمور تسر العدو وتقهر الصديق. إن الأمة تمر هذه الأيام بمنعطف تاريخي يوجب على الجميع الالتزام بالنظام في الأقوال والأفعال فكلما كان هناك انسجام وتناغم بينهما كلما دل ذلك على الوعي والإدراك فلا يقال شيء ويفعل شيء آخر وهذا ينطبق على الصغير والكبير، الغني والفقير الحاكم والمحكوم، ذلك أن حق التناقض بين الأقوال والأفعال يعتبر شيئا ممقوتاً جملة وتفصيلاً قال تعالى: {كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} ذلك أننا مسلمون ودين الإسلام حرص في كل أركانه وسننه وتشريعاته على التناغم والانسجام بين الأقوال والأفعال. ومن هذا المنطلق اثبت المسلمون في الماضي أنهم أمة حضارة وتقدم خلال المراحل المختلفة لتكوين الدولة الإسلامية ولم يضعفوا ويهنوا إلا عندما تفرقوا وأخذوا بالمنافسة غير الشريفة وشقوا عصا الطاعة على مركز الخلافة واستعانوا بعدوهم ضد بعضهم البعض وبذلك تفرقوا وسهل أمرهم على عدوهم حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه اليوم من هوان على الناس من حيث الضعف والفرقة وضياع الحقوق حتى وصفوا بالتخلف واتهموا بالإرهاب واستحقوا الحرب والابتزاز ليس هذا فحسب بل وصل الأمر إلى التهديد بسلب مقدراتهم واستعمارهم إن هم لم يوحدوا كلمتهم وينبذوا خلافاتهم ويجعلوا مصلحة الأمة فوق مصالحهم الشخصية ذلك أن الأعداء قد كشروا عن أنيابهم وأعلنوا عن نياتهم ليس هذا فحسب بل أنهم أرسلوا جيوشهم وقواتهم التي أخذت ترعد وتبرق وتمطر صواريخ وقنابل بينما البعض لايزال يزايد على المصلحة العليا للأمة العربية وهمهم الأكبر تعكير صفو العلاقات العربية وضرب الشعب الواحد ببعضه البعض ظناً منهم أن العدو سوف يرحمهم ويميزهم عن غيرهم عندما يأتي عليهم الدور. إن الخلافة الإسلامية لم تزل إلا عندما حكم بعض الناس مصالحهم الشخصية وجعلوها فوق مصلحة الأمة والخلافة الإسلامية في الأندلس لم تزل إلا عندما انقسمت إلى دويلات ثم استعان حكام الدويلات الإسلامية هناك بالأجنبي المتربص بهم ضد بعضهم البعض، وكثير من الممالك والدول لم تزل إلا عندما حدث نزاع بين أركانها مما أعطى للمتربصين فرصة التدخل وزيادة حدة الفرقة والنزاع تمهيداً للانقضاض عليها وهذا ما سيحل بالعرب إن لم يدركوا أنفسهم. إن أهم سلاح تستطيع أية أمة من الأمم وأية دولة من الدول أن تتسلح به ضد أي عدو خارجي هو وحدة الكلمة ووحدة الهدف ووحدة الوطن قال تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} وقال النبي صلى الله عليه وسلم «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» الحديث... كما يعبّر الشاعر عن وحدة الكلمة وتفرق الصف بالبيت التالي: تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً وإذا افترقن تكسرت أحادى إن الوحدة الوطنية في هذا البلد الكريم موجودة وراسخة ولكنها تحتاج إلى مزيد من التلاحم والتعميق خصوصاً تحت وطأة الظروف الراهنة. وهذا يحتاج إلى مزيد من الجهد من قبل أطراف عديدة لابد لكل منها أن يقوم بما هو واجب عليه ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر ما يلي: 1- هناك دول كثيرة يتكون سكانها من طوائف وأعراق وديانات ومذاهب سياسية وأيديولوجية مختلفة ومتباينة ومع ذلك استطاعت ان تكون لها كلمة موحدة وقوة سياسية واقتصادية مؤثرة لأن جميع التباينات والاختلافات وحدها أمر واحد وهو سيادة القانون وخير مثال على ذلك الولاياتالمتحدةالأمريكية التي يتكون شعبها من مجموعة مهاجرين ينتمون إلى كافة شعوب الأرض وأعراقه ودياناته وهذا الأمر لايزال صامداً حتى اليوم على الرغم من أن جرثومة السوس الصهيونية ظلت تنخر في عظم ذلك العملاق العالمي حتى رأيناه اليوم فاقدا صوابه يهدد الأمن والسلام العالميين ويحتاج إلى طبيب ذي عقل سليم يعيده إلى صوابه والمثال الثاني دولة إسرائيل التي جمع فيها شذاذ العالم من اليهود على الرغم من اختلاف مشاربهم وعاداتهم ولغاتهم ووحدهم المصير المشترك والخوف من العدو والمستقبل الغامض على الرغم من أنهم استولوا على أرض ليست أرضهم وطردوا أهلها منها وهم اليوم يقتلون الشعب الفلسطيني على مرأى ومسمع من العالم دون حراك. ولم يكتف اليهود بذلك بل هم اليوم يعيدون فعلتهم السابقة عندما اشتروا أرض فلسطين من بريطانيا مقابل المال خلال الحرب العالمية الأولى وحصلوا به على وعد بلفور عام 1917م وحققوا حلمهم بدولة إسرائيل عام 1948م. نعم اليوم اليهود يعيدون السيرة نفسها ويستخدمون سلاح المال والإعلام ومراكز الضغط في أمريكا لتدمير العرب والاستيلاء على أراضيهم وثرواتهم ابتداء بالعراق وانتهاء ببقية دول الشرق الأوسط واحدة تلو الأخرى ومهدوا لذلك بإشعال حرب الإرهاب ودعم عناصره سراً ناهيك عن الهجوم الإعلامي ضد كل ما هو عربي ومسلم وقد احتاروا أمام المملكة العربية السعودية كيف يصلون إليها فتفتقت عبقريتهم عن اختراع ذلك الشبح الذي يمكن ان يلصقوه بكل من ينوون معاداته وقد كان مصدر حيرتهم الأساسي مع المملكة أنها دولة معتدلة في سياستها الدولية وأن سكانها من جنس واحد ودين واحد ولغة واحدة وكيان سياسي قوي متماسك ناهيك عن كونها قبلة المسلمين ومركز الثقل في العالم الإسلامي لذلك بدأوا يدقون على وتر التفرقة والبحث عن منفذ حيث بدأوا يصنفون الناس هنا إلى أصوليين ومحافظين وأحرار وعلمانيين يمين ويسار سنّة وشيعة موالين ومعارضين وأخذوا من خلال بعض المحطات الفضائية التي تخدم توجهاتهم يحاولون دق إسفين بين أبناء الأمة علهم يجدون منفذا لهم ولكن كل ذلك لم يفلح لأن أبناء هذه الأمة من الوعي والادراك بحيث لن تمر عليهم مثل تلك الأطروحات التي ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب ذلك أن جميع أبناء الأمة يعلمون ان وحدة الوطن ووحدة الكلمة خصوصاً في ظل الظروف الراهنة تأتي أولاً. إن كل مواطن يعتبر نفسه دائماً وأبداً لبنة في كيان الوطن لكنه اليوم يعتبر نفسه جندياً ساهراً على مصلحته ومصلحة أمته ورقيبا لا يغفل يحذر أن يمر الأعداء من خلاله أو من جواره. 2- ان جميع المثقفين وقادة الفكر وحملة القلم يجب عليهم العمل على تعزيز وحدة الكلمة أكثر من أي وقت مضى ذلك أن الأمة تمر في ظروف استثنائية والخطر اليوم يأتي من عدو خارجي يناصب الأمة العداء في عقيدتها وفكرها وثقافتها ويعمل للقضاء على منجزاتها وإجهاض تقدمها والاستيلاء على مقدراتها وخير سلاح لمقاومة ذلك العدو وحدة الكلمة وتعزيز روح الانتماء وبيان المخاطر المترتبة على عدم التناغم والانسجام ناهيك عما يترتب على تحقيق العدو لأهدافه من هدم لجميع المنجزات الوطنية وضياع لجميع المنجزات العامة والخاصة الجماعية والفردية وإنهاء لجميع الطموحات المستقبلية ناهيك عن إدخال أبناء الأمة في صراعات جانبية فالعدو لا يرحم خصوصاً إذا كان المخطط والمستفيد الأول من خلق الفرقة والتشاحن والتنافر هم بني صهيون ودولتهم في إسرائيل وهم الذين لن يقر لهم قرار أو ترتاح لهم نفس أو تغمض لهم عين قبل أن يجهزوا على كل ما هو عربي ومسلم بدءاً بالدول التي تملك موارد اقتصادية عمادها البترول مثل العراق ودول الخليج العربي ولكن هيهات ان يحققوا مآربهم فهذا الشعب أكثر يقظة مما يظنون. إن الالتزام بوحدة الكلمة وتفعيلها باستخدام جميع الوسائل والاستفادة من الأفكار والتوجهات الايجابية لحملة الفكر والقلم التي تصب في مصلحة الوطن أصبح أمراً ضرورياً يحسن استخدامه وبلورته ودعمه حتى يؤتي أكله. 3- الإعلام له دور فاعل في تعميق الوحدة الوطنية خصوصاً عندما يكون إعلاماً منافساً ذلك أن الإعلام كان ولازال أهم وسيلة للاتصال مع أكبر شريحة من الجماهير على مختلف اتجاهاتهم ومشاربهم. واليوم يجب ان يصبح إعلامنا في مقدمة الركب من حيث القدرة أو الانتشار خصوصاً مع إعلام دول أقل منا قدرة وأقل منا مصداقية فيجب على إعلامنا أن يدخل باب المنافسة وأن يمارس أسلوباً جديداً ومتطوراً في الأداء. إن المنافسة بين المحطات الفضائية ومقدرة كل منها على جذب أكبر عدد من المشاهدين أصبح سمة العصر وهذا التنافس جميل إذا كانت وسائله شريفة وغايته سليمة وهذا لا يتم إلا ببذل كثير من المال والجهد والبحث والاستقصاء عن رأي المشاهد وميوله وهذا يحتم وجود ادارة خاصة تابعة لكل محطة تعنى بالدراسة والمتابعة والتخطيط والتطوير المستمر والبحث عن كل جديد وتقديمه للمشاهد باعتبار ان المشاهد زبون يجب العناية به ناهيك عن أن يوكل الأمر إلى مختصين مدربين أعدوا خصيصاً لهذا الغرض بدلاً من أن يوكل الأمر إلى من يعود على شيء لا يستطيع الاتيان بغيره. إن إعلامنا يلقى منافسة حادة خصوصاً ان كثيراً من الدول يملك عددا كبيرا من المحطات الفضائية كل منها تجذب شريحة معينة من المجتمع فماذا تبقى لنا لكي نخاطبه ونزرع فيه مزيداً من الوعي بخطورة المرحلة بدلاً من تركه نهباً لبعض تلك المحطات التي تقوم بالدس الرخيص الذي يصب في خانة زرع الفرقة والتشكيك خصوصاً في ظل تلك المرحلة الحالكة من تاريخ الأمة. إن محطاتنا التلفزيونية ووسائل إعلامنا الأخرى أيضاً يجب أن تتطور كماً وكيفاً وأن تدخل باب المنافسة الإعلامية الشريف وأن تتبنى هدفاً محدداً هو إعادة كثير من المشاهدين إلى حظيرتها من خلال التفوق وإحراز قصب السبق لكي تتمكن من خلال أدائها المتميز من تعميق مفهوم الانتماء وأن تزرع مفهوم التفكير الايجابي في أبنائنا من خلال إعلامنا الذي يجب أن يكون جذابا لكي يسمع وخير مثال على التفوق محطة الاخبارية التي تحاول أن تثبت وجودها. 4- لقد استطاع الملك عبدالعزيز - رحمه الله - ان يوحد هذه البلاد الشاسعة بعدة وسائل كان أهمها التمسك بالإسلام مبدأ والتعامل بالعقل الراجح والقيادة الفذة واختيار المستشارين الأكفاء وعدم التفرد بالقرار والعفو والتسامح واستخدام القوة عند اللزوم بتوازن فذ وحكمة بالغة وقد سار على نهجه من بعده أبناؤه الملوك سعود وفيصل وخالد يرحمهم الله ثم قيادتنا الرشيدة ممثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير عبدالله بن عبدالعزيز وسمو النائب الثاني الأمير سلطان بن عبدالعزيز - حفظهم الله - حتى وقتنا الحاضر وقد كان لذلك التوازن أكبر الأثر في استمرار الوحدة الوطنية ومع أن الظروف الدولية قد تغيرت في وقتنا الحاضر إلا ان الحاجة لازالت ماسة إلى معايير ومبادرات جديدة ومن نفس النوع تساعد على تعميق وحدة الكلمة من خلال الاستنارة بالرأي الصائب وسيلة والعلم منهجا والسياسة والإعلام مطية ووحدة الكلمة وأمن الوطن غاية وهدفا وهو ما تعمل دولتنا الرشيدة على تحقيقه ويدعمها في ذلك وحدة الكلمة واستشعار الخطر من قبل الجميع وتظل مدرسة الملك عبدالعزيز راسخة لأنه صاحب الريادة فهو الملك الموحد لهذا الكيان الكبير الذي يجب علينا جميعاً حمايته والمحافظة عليه من خلال وحدة الكلمة وتفويت الفرصة على العدو الذي يحاول الاصطياد في الماء العكر في هذا الوقت العصيب من تاريخ الأمة والله المستعان.